سناء الحافي: رسالة من أمّ منسيّة.. إلى الله!!

بالعربي: سناء الحافي

يا الله الذي أعرفه…!
أشكركَ بحجم هذه الوحدة القاتلة التي ألعقها نكاية في هذا الزمن النفسي  ، و أنا أجوب شوارع حزني دونما رفيق …دونما سند ..
أشكرك يا الله …لأنك منحتني هذا الحجم الهائل من الحياة بكل خذلانها…و جحودها ..
أشكرك ..لأنّك معي هنا …كما كنت معي دائما هناك ..
حيث كنت أكبر مع إيقاع الوقت الذي قزّمني رغم أنفي ..
يا الله الذي أعرفه …!
كنت معي و أنا أدفن الطموحات في مساماتي والأحلام الصغرى في قاع الحياة كي أزهر أمّاً …و أزرع ورداً ، و حين أينعَ أصبح شائكاً جدا .. جرح أصابعي العشر ..و خان الأمانة و الأمومة …
كنت معي ..عندما كانت ترتجف يداي و أنا أطعم أطفاليَ الخمس ، خشية أن تقع لقمة الحب من أفواههم الصغرى التي ما لبثت أن التهمت فرحتي بهم …
كنتَ معي وأنا أقطِّر ماء العين لأروي ظمأهم …
كنت معي …كلّما اشتدّ الخوف، كنت أحتمي بظلّي كي أحميهم ، أضمّ أحلامهم ..أحفّز أفكارهم …ألاعب طفولتهم …و هم يلاعبون اليوم مشاعري ..و أصبر !!
حتى غدوت…دونما ظلّ..
دونما وردة ..دونما حلم…
يا الله الذي أعرفه …!!
ما بال هذه الحياة …خائفة .. …مخيفة مثلي !؟
وقد احدودب ظهري كعلامات الاستفهام… وارتعشت أطرافي وأنهكتني الأمراض وزارتني الأسقام ، لا أقوم إلا بصعوبة ولا أجلس إلا بمشقة ولا يزال قلبي ينبض بمحبتهم… بالرغم من أنهم يتثاقلون زيارتي …و لم أعد حتى في منزلة أقرب أصدقائهم أوأبعدهم حضوة لديهم ، أو حتى إحدى محطات حياتهم الشهرية لأراهم فيها ولو لدقائق . ..
بذات الخوف البريء ..و دمعتي الكبرى..!!
أبكيهم شوقاً …و هم يردّون الجزاء بهداياهم الموقوتة في عيد أمّ كادح بالخيبة !
أبكيهم حباّ..و هم هائمون في الحياة دونني ، وقد اشتدّ عودهم و استقام بهم الشباب ..!
أنا التي صنعت لهم الحياة من فاكهة كفّي …!
و لأن الحياة استثناء …لن يتغيّر شيء في عاطفتي …في إيماني …
فأنا سوف أظل أحبهم …
حتى وأنا أراهم يتجاهلونني وينشغلون بأمور أخرى … مازلت أحبهم !
حتى وأنا أراهم يتناحرون ويتشاجرون ويمزقون جسدي … سأظل أحبهم  !
و قبل رحيل العام …و قبل رحيلي …
فأنا لن أموت ولن أفنى ، لأنّي سأعيش في تفاصيلهم الصغرى، حين يأكلون و يشربون و ينامون …
اذا أخفقوا أو تفوّقوا …سيبحثون عنّي بداخلهم ،
اذا حزنوا أو فرحوا …سيفتقدون شهقتي الكبرى …،
فمازلت حبلى…بحبّهم و إن أصبحت أحمل قلبا عجوزا ، قليل الأماني كثير العتاب …!
هو خطأي ..أنني تصوّرت نفسي سأكون ملِكة – بهم –…عندما أكبر !
شكرا يا الله …الذي مشيئته لا تُقهر !!
لما وهبتني ..بما حرمتني ..بما صنعتُ و لمْ أصنعْ ..و ما أسعدَني لأنّك بقيتَ – هنا – معي الآن  !!