باسل ترك السلاح الملقم لرفيقٍ مجهول تكشفه الأيام

بالعربي- كتب- محمود حسنين: 

جاب شوارع الضفة المحتلة سيرا على قدميه واقتنص من زقاقها حكايات الثورة الفلسطينية، لم يكن يطلب شهرة، ولا مالا، كل ما طلبه ان يصبح المثقف هو المشتبك الأول مع الاحتلال، هكذا قال باسل في احدى الندوات التي شارك فيها حينما سأله احدهم ماذا يعني ان تكون مثقفا في ظل ما يعانيه الوضع من طمس لكل شي، رده كان صارما وحازما حين أجابه: ان تكون مثقفا يعني ان تكون مثقفا مشتبكا، وان لم تكن مشتبكا فلا فائدة منك ولا في ثقافتك.

كتب وصيته التي طالما كان يفكر في نصها وفحواها ثم سلمها لشخص يكشف عنها بعد استشهاده، ربما اقترب موعد الشهادة لهذا اسرع في كتابتها، وكأن الشهداء يعرفون موعد لقاء ربهم، فيتركون كل الأثر الجميل خلفهم ويكتبون وصاياهم الأخيرة على عجل.

باسل الاعرج الذي ترجم كلماته وثقافته بلغة الرصاص لقم سلاحه وسلاحاً أخر كان برفقته، ربما يعود لصديق كان في انتظاره لحظة الاشتباك ثم استعد، فلطالما كان باسل يفاجئ الجميع بكل تصرف هو له، حتى ألذ أعدائه فاجئه حين اتخذ من علية المنزل الذي كان فيه مخبئاً للطلقة الاولى لباسل نحو المجد، صوب سلاحه وانتظر قدوم الجنود، ما أن رأوه حتى دب الرعب في بنادقهم المرتجفة، هربوا من كل صوب، لم يعرفوا ما يفعلون، اطلقوا اكثر من 100 طلقة دون جدوى، فالرصاص يهاب من يتحداه، هو كان هادئا جالسا يطلق طلقاته القليلة بدقة متناهية، استمر الاشتباك ساعتين، لا يعرف احد ماذا يجري في الداخل سوى ذاك المثقف.

اطلق الجنود صاروخ أنيرجا بعد ان عجزوا عن المساك به او اعتقاله، تفتت الصاروخ على جدران المنزل ولم يصب باسل، فمن وقف في وجه الرصاص لم يكن ليخيفه صاروخاً، شظايا الجدران هي التي لم تكن رحيمة عليه، شظاياها اصابت وجهه حتى أدماه، ونخرت بجسده حتى ارتقت روحه الى باريها، غضب الجنود الذين عجزوا عن الامساك به حياً، فقاموا بالتنكيل بجثته وسحبه على درج المنزل حتى دوريتهم العسكرية، ودماء باسل تشهد على حقد الجنود عليه، حيث ارتوت جدران المنزل وكتبه بكل اللغات بدمائه الزكية.

سرقه الجنود من أحضان المدينة، وقالوا لوالده ربما لن يعجبك باسل الان لانه اختلف كلياً عما هو عليه بالصورة، وحين شاهده والده قال لم أرَ باسل جميلاً بهذا الحد الا اليوم، اقسم انه اجمل منظر اشاهده به، ويطالب الاحتلال من والد الشهيد ان ينقل مكان العزاء بعيدا عن بيته في قرية الولجة بمدينة بيت لحم مقابل تسليم الجثمان لأن منزل المثقف قريب من مستوطنة يخشى الاحتلال ان يمسها الضرر من ثورة رفاق باسل.

يُخيل الي ان رصاصات باسل قد نفذت وربما ايضاً ترك سلاحاً ملقماً في احدى زوايا المنزل لرفيق ربما لم يعرفه باسل أبدا،ً وحتى يبعث برسالة خاصة مفادها ان سلاحك في انتظارك يا رفيقي، خذه واكمل مشواراً بدأناه.