في سوريا الذين يحررون الوطن يحررون المواطن

بالعربي- كتبت- ثريا عاصي:

أعتقد بعد مرور ست سنوات على بدء الحرب على سورية في شهر آذار2011، أنه آن الأوان لوضع قائمة الجَرْدِ بحصيلة المعطيات التي أفرزتها هذه الحرب. إذ لا جدوى من إضاعة الوقت في توصيف ما يجري في سورية بدقة وفي تقديم البراهين على أن التحالف الثلاثي الأميركي ـالتركي ـ السعودي (الخليجي ـ حكام النفط)، استغل الأزمة الوطنية في سورية، فشوّه وجهها وقادها في المسار الخطأ نحو أهداف لا وطنية سورية من نوع إسقاط كيان الدولة وتقسيم البلاد على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.

لماذا نكرر الكلام نفسه فهل من شك في أن الولايات المتحدة الأميركية تؤدي دوراً رئيسياً في الحرب على سورية بواسطة الحكومة التركية الحالية والمملكة السعودية وأن الحديث عن الثورة والحملات الإعلامية والدعائية لا تخرج عن كونها خداع ألفاظ تمهيداً لتوسيع مجالات التدخل الأمبريالي ـ الاستعماري  في سورية؟.

كيف تكون الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في أوروبا أصدقاء «للشعب السوري» وداعمين «للثورة»، ولم تجف بعد دماء العراقيين والليبيين ناهيك بالمجزرة المتواصلة في اليمن! أليست القوات العسكرية الأميركية والأوروبية هي التي أهرقت هذه الدماء؟.

وما بالك لو رجعنا إلى تاريخ الحروب ضد الناصرية، وإلى حرب التحرير الجزائرية وإلى حروب المستعمرين "الإسرائيليين" الذين استخدموا أحدث تقنيات القتل والتدمير ضد الشعوب العربية الفقيرة الممنوعة من التقدم والتعلم.

مجمل القول ان الدولة السورية لم تسقط بل بالضد من ذلك ترجح المعلومات المتوافرة ان تصديها للأعداء على الجبهات العديدة يزداد تنظيماً ويتنامى قوة رغم أن خسائر فادحة لحقت بالسوريين وببلادهم! وفي المقابل يبدو أن المتمردين السوريين وفصائل المرتزقة التي أرسلت لمساعدتهم في القتال ضد شعبهم وجيشهم وفي تهديم بلادهم، يبدو أن جماعات المتمردين والمرتزقة تتراجع وتضعف.

ولعل من العلامات الدالة على حقيقة ما يجري في الواقع في البلدان العربية التي تحتوي نظرياً مخزوناً من الطاقة اللازمة للنهوض شرط توافر لها قيادة واعية ترسي نظاماً وطنياً يتيح حسن توظيف الإمكانات الموجودة، بحسب ما هو معروف في الفكر السياسي على نطاق العالم ! أقصد هنا تحديداً، العلامات التي يمكننا أن نستشفها من خلال تحرك (أو تحريك) الجهات والتيارات التي تتصدر منذ سنوات 2010 الاضطرابات تحت عنوان «الربيع العربي» أو «الثورات العربية»، التي نلاحظ في ظاهر الأمر، تبعيتها وعدم نضجها، حتى لا نقول ان نشاط هذه التيارات والجهات يعكس استخفاف مشغليها بالعقول واحتقارهم الذي ينم ضمنياً عن مشاعر كراهية عنصرية ضد أهل البلدان التي ينوي هؤلاء المشغلون «تثويرها».

ما أود قوله في الحقيقة هو أنه يخيل إلى المراقب أن الغاية الرئيسية من هذه  «الثورات» هي استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز تدخل حلف الأطلسي العسكري، ويشرع أبواب البلاد أمام مبعوث أو وسيط أو محقق  أمميين والتمهيد لمؤتمر دولي للنظر في «قضية البلاد» في أروقة الأمم المتحدة الأميركية أو في جنيف، أو تشكيل محكمة دولية، أو استدعاء قادة البلاد أمام المحكمة الجزائية الدولية.

خذ إليك مسألة «السلاح» في العراق، لجنة تحقيق دولية، «الثورة» اللــيبية، إحراق قائد الثورة عبد الفتاح يونس وتدخل الحلف الإطلسي عسكرياً «ثورة الأرز» في لبنان، محكمة دولية خاصة. أما في سورية فلولا استخدام الروس والصينيين حق النقض لما أمكن إفشال جهود أمير قطر وأمين جامعة الدول العربية في استجرار الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها الأوروبيين إلى سورية. علماً أنهم تمكنوا في نهاية المطاف من احتلال المناطق النفطية بحجة محاربة الإرهاب. هذا غيض من فيض.

مجمل القول ان في سورية اليوم أرضاً يحتلها الجيش التركي والجيش الأميركي، وان في اسطنبول «معارضة مسلحة» تريد وقف إطلاق النار، أي المساومة بين الحكومة السورية من جهة وبين تركيا وأميركا من جهة ثانية على التراب الوطني السوري، فهذه تريد «منطقة آمنة» وتلك تريد «المخزون النفطي» في الحسكة أو في القامشلي لا أدري. إذاً لا لتحرير الأرض.

وما يزيد الطين بلة هو معارضة سورية تضم رئيس وزراء سوري منشق تقيم في السعودية في سيرورة الهدف منها محاكاة تجربة فرار حكام الكويت  في سنة 1990 الى السعودية نتيجة للاجتياح العراقي ولجوء الســلطة اليمــنية المؤقتة وعلى رأسها السيد عبد ربه هادي منصور إلى السعودية في سنة 2015 على أثر انشطار اليمن إلى «يمنين»، تطــالب هذه المعارضة السورية بالإسراع في عقد مؤتمر دولي، «لإعادتها إلى السلطة» أسوة بالتجربتين الكويتية واليمنية. في سورية إذاً ثورة تنتظر من الأمم المتحدة أن تسلمها السلطة. أين التحرر، أين العدالة؟ أين الثورة؟.

خلاصة القول ان من واجب السوريين الوطنيين أن يواصلوا حرب التحرير حتى يطردوا جميع الجيوش الأجنبية من بلادهم وعليهم بموازاة التحرير أن يبدأوا  الثورة الوطنية التحررية في المناطق السورية المحررة، حتى يقتنع السوريون بأن سورية التي ستكون تختلف عن سورية التي كانت! الذين يحررون الوطن  هم أنفسهم الذين يحررون المواطن.