كيف تمارس شركات تكنولوجية "إسرائيلية" نشاطها بالسعودية؟

بالعربي: تناولت وكالة بلومبرغ الإخبارية نشاط شركات تكنولوجية" إسرائيلية" في السعودية، وتحدث تقرير مطول بثلاثة أجزاء، أعده كل من جوناثان فيرزيغر وبيتر والدمان، بشكل خاص عن المهمة التي تقوم بها شركة مختصة بمسح شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى "الإرهابيين" المحتملين.

وفي ما يأتي نص الجزء الثاني من التقرير  الذي ترجمته "عربي21":

يحب نتنياهو أن يكرر في خطاباته، متندرا، أنه توجد ثلاثة أسباب تجعل العرب مهتمين بـ"إسرائيل" هذه الأيام، ألا وهي "التكنولوجيا، ثم التكنولوجيا، فالتكنولوجيا". إلا أن هذا الاهتمام لا يترجم في الواقع إلى علاقات تجارية علنية لأسباب؛ أهمها على الإطلاق هو استمرار الصراع "الإسرائيلي"-الفلسطيني.

يقول رياض الخوري، مدير مؤسسة جيوإيكونوميكا للاستشارات في مجال المخاطرات السياسية، والتي تتخذ من العاصمة الأردنية عمان مقرا لها، إنه لن يصبح التعاون مع الخليج مثمرا تماما ما لم "ينطفئ مصباح الإنارة داخل رأس نتنياهو ويوقع اتفاقية سلام مع الفلسطينيين الذين لا يزالون هم حراس البوابة".

ويمكن للصراع أن يزداد سوءا على سوء، وخاصة أن ترامب كان قد أعلن أثناء حملته الانتخابية، ثم عاد وأكد بعد تنصيبه، أنه سينقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس. وأما مرشحه لمنصب سفير الولايات المتحدة إلى "إسرائيل"، والذي كان محاميه في قضايا الإفلاس، دافيد فريدمان، فقال إنه ينوي اتخاذ القدس مقرا لعمله، وأطلق عليها صفة "عاصمة إسرائيل الأبدية". وردا على ذلك قالت حركة فتح الفلسطينية إن مثل هذا الإجراء من شأنه أن "يفتح أبواب جهنم".

ومن الجدير بالذكر أن نتنياهو كان قد تعهد في الأول من شباط/ فبراير ببناء أول مستوطنة جديدة تقام في الضفة الغربية منذ 25 عاما. وأعلنت "إسرائيل" منذ استلام ترامب للسلطة عن خطط لبناء 5500 وحدة سكنية إضافية في المناطق المحتلة. في هذه الأثناء دعا ترامب نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في 15 شباط/ فبراير.

يقول السعوديون إنهم سيصنعون السلام مع "إسرائيل" بعد أن تصنع السلام مع الفلسطينيين. وقد تكرر تقديم هذا العرض في عام 2016 من قبل مسؤولين سعوديين متقاعدين رفيعي المستوى، في لقاء علني نادر جمعهما بنظيريهما الإسرائيليين في واشنطن وفي القدس. بل لقد أرسل سلمان الأنصاري، وهو مصرفي ومدير مؤسسة إعلامية يدير حاليا مجموعة جديدة للترويج للسعودية في واشنطن، إشارة أقوى في تشرين الأول/ أكتوبر، حيث كتب في مقال نشره موقع "ذي هيل" يقول فيه إن المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" ينبغي لهما أن يشكلا "تحالفا تعاونيا" يقوم على أساس من الروابط التجارية، وذلك لتعزيز المكانة التي يستحقانها بوصفهما "عمودين من أعمدة الاستقرار في المنطقة". انهال النقاد العرب على الأنصاري يقرّعونه لأنه لم يذكر الفلسطينيين في مقاله. إلا أنه أكد أنه تجنب ذكر الفلسطينيين قاصدا، الأمر الذي يعكس رغبته في تبديل الخطاب القديم الذي يربط كل شيء بقيام الدولة الفلسطينية. بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن العلاقة السعودية الإسرائيلية يمكن أن تزدهر وتثمر تحت قيادة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بما يتمتع به من براغماتية ونظرة تقدمية.

يمكن لهذا الانفتاح أن يتغير بسرعة إذا ما تسبب ترامب ونتنياهو في انطلاق انتفاضة فلسطينية أخرى. ومع ذلك، فإنه يمكن الاستدلال من هذه النماذج على أن المملكة العربية السعودية تتغير بسرعة فائقة، كما يقول دينيس روس الذي أدار الجهود الدبلوماسية بين العرب و"الإسرائيليين" في عهد ثلاثة رؤساء أمريكيين. ويضيف: "ما كنت لترى شيئا من هذا القبيل في ما مضى. من الواضح أن هذه كومة قش في مهب الريح".

على الأرض، واجهة نتنياهو للتعاون الإقليمي هي أيوب قرا، العربي الإسرائيلي البالغ من العمر واحدا وستين عاما، وعضو الكنيست الذي أصبح مؤخرا عضوا في الحكومة بحقيبة وزارية. وقرا هذا درزي وصاحب موقف متشدد في ما يتعلق بالسلام مع الفلسطينيين، وهو يشاطر حزب الليكود حلمه –وقد يقول البعض نزوته– بأن يطبّع العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية مع الاحتفاظ بمساحات واسعة من الضفة الغربية.

في أحد أيام شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقف قرا على شرفة منتجع أردني مطل على البحر الميت، ومد ذراعه مشيرا إلى خليج العقبة في الجنوب، حيث تلتقي حدود "إسرائيل" بحدود الأردن وحدود المملكة العربية السعودية.. تقوم إ"سرائيل" حاليا بالتعاون مع الأردن بوضع خطط لتطوير المنطقة القاحلة التي قاد فيها موسى يوما بني "إسرائيل" حينما تاهوا في الصحراء أربعين عاما. ويصر قرا على أن السعودية في نهاية المطاف ستنضم إلى الفريق في هذا المشروع. وقال: "يحتاجون إلى التكنولوجيا الموجودة لدينا، ويحتاجون إلى خبراتنا، ويريدون بإلحاح الخلاص من الصداع الفلسطيني".

تبدأ الخطط بأكبر تعاون في مجال الأشغال العامة بين "إسرائيل" والأردن والفلسطينيين. يطلق على المشروع مجازا اسم مشروع النقل من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهو عبارة عن خط أنابيب ومحطة تحلية تقدر التكلفة الكلية لهما بعشرة مليارات دولار. والمشروع، الذي يحظى بدعم جزئي من قبل البنك الدولي، سيسحب الماء من البحر الأحمر وينقله إلى البحر الميت على عمق 1400 قدم تحت مستوى سطح البحر. والمشروع، الذي من المقرر أن يبدأ إنشاؤه في عام 2018، سوف ينتج ماء صالحا للشرب وكهرباء يستفيد منهما الأردن و "إسرائيل" والفلسطينيون. وتقضي خطة المشروع بالتخلص من الماء المالح المتبقي بضخه في البحر الميت، والذي يعتبر خزانا للأملاح وما لبث حجمه ينكمش عاما بعد عام. يمكن للمشروع أن يساهم في تخفيف حدة الصراع على المياه في هذه المنطقة التي تعتمد فيها "إسرائيل" والأردن والضفة الغربية وأجزاء من المملكة العربية السعودية -وكذلك لبنان وسوريا- على مصادر المياه نفسها المتمثلة بعدد محدود من الأنهار والطبقات الصخرية المائية.

لدى قرا، الذي وقف يرمق ببصره الضفة الغربية و "إسرائيل" من خلف البحر الميت، ما يشغل باله على المدى القريب أيضا. لقد دُعي إلى هنا ليتحدث حول الاشتراك في موارد مياه المنطقة أمام مؤتمر البيئة والسلام في الشرق الأوسط الذي تموله الحكومة السويدية. ورتب قرا لعقد اجتماع مع نظيره الأردني لمناقشة طريق التجارة المحتمل من أوروبا وتركيا عبر ميناء مدينة حيفا الإسرائيلي، مرورا بالأردن نحو المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج . فمنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية تحول ميناء حيفا إلى مركز عبور للبضائع التركية التي كانت في ما سبق تُنقل برا إلى منطقة الخليج عبر شرق تركيا وسوريا. واليوم، تصل ما يقرب من عشرين شاحنة تركية كل أسبوع على متن عبارة صدئة ترسو في ميناء حيفا، حيث يفحص المسؤولون الإسرائيليون الشاحنات باستخدام أشعة إكس ويتعاملون معها، أثناء مرورها داخل مخزن صمم لتعبر من خلاله، ثم يطلقون سراحها لتكمل رحلتها إلى الأردن عبر الجليل. في البداية كان دخول الشاحنات عبر الحدود الأردنية إلى داخل السعودية ميسرا، ولكن ذلك انتهى فجأة ودون سابق إنذار قبل عامين، حينما قام أحد المنافسين في الرياض بالكشف عن أن عدة شاحنات محملة بالطماطم التركية وصلت إلى الأسواق السعودية عبر ميناء حيفا، حسبما أفاد به سمسار شحن في حيفا.

ويعمل قرا مع دبلوماسيين خليجيين من خلال شركاء من عليّة القوم داخل الحكومة الأردنية، وذلك سعيا منه لفتح طريق إسرائيلي-سعودي باتجاه الجزيرة العربية ككل، وهي الخطوة التي من شأنها أن تضاعف خمسة أضعاف، بين ليلة وضحاها، حجم البضائع المنقولة بواسطة الشاحنات التركية، كما يقول سمسار الشحن. أما قرا فيقول بهذا الشأن: "قريبا جدا سوف تخرج الأمور إلى العلن وسوف تشاهد نتنياهو وهو يهبط بطائرته في واحدة من هذه البلدان". يوافقه في ذلك الوسيط الأردني الذي يعمل معه ويقول: "لقد تغير الزمن، وكلهم يبحثون عن سبل للانفتاح على إسرائيل والتواصل معها".

ويستخدم نتنياهو مساعدين آخرين للتواصل مع كبار المسؤولين في العالم العربي، بما في ذلك محاميه الخاص إسحاق مولخو، وسفير "إسرائيل" السابق لدى الأمم المتحدة دوريغولد.. منذ إبرام اتفاقيات أوسلو في مطلع التسعينيات، فتحت "إسرائيل" من حين لآخر مكاتب تجارية في قطر وعُمان، وقبل عام حصلت على موافقة لإرسال دبلوماسي ليقيم في أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، بوصفه ممثلاً لـ"إسرائيل" لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. ويشار في هذا الصدد إلى أن المكتب لديه القدرة الكامنة على التحول في المستقبل إلى سفارة لمتابعة ارتباطات "إسرائيل" الآخذة بالاتساع في منطقة الخليج .

يلعب قرا دورا فريدا من نوعه، فنظرا لأنه الوزير العربي الوحيد في حكومة نتنياهو، فهو يلتقي بانتظام بالدبلوماسيين ورجال الأعمال العرب في القاهرة وفي الدار البيضاء وفي جنيف وفي نيويورك. من الجدير بالذكر أن الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها، والتي يبلغ تعدادها في "إسرائيل" ما يقرب من 140 ألف نسمة إضافة إلى ما يقرب من 850 ألف نسمة في كل من لبنان وسوريا والأردن، نشأت قبل ما يقرب من ألف عام، كان الدروز طوال معظم تلك الفترة يعيشون في قرى جبلية وضمن عشائر حافظت على وجودها من خلال موالاة من آلت إليه السلطة.

وكان اثنان من أعمام قرا قد قتلا على يد العرب بسبب تعاونهما مع اليهود قبل قيام دولة "إسرائيل". وأما هو فقد جرح داخل دبابة للجيش الإسرائيلي أثناء القتال في حرب لبنان عام 1982، وسُرح من الجيش بعد مقتل اثنين من أشقائه. وقد مارس المحاماة في شمال "إسرائيل" لخمسة عشر عاما، ثم فاز بمقعد في الكنيست في عام 1999، ووصل إلى سدة القيادة في حزب ليكود في عام 2006. وللاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين ليوم الاستقلال قام في تلك السنة بتنظيم حفلة لنتنياهو، وجلب جزارين متخصصين في إعداد اللحم الكوشر ليذبحوا 58 شاة بتلك المناسبة. وفعلاً، حضر نتنياهو واحتفل بالمناسبة وتناول الطعام في معية سبعة آلاف درزي من أبناء البلدة في تجمع نظم أمام منزل قرا في دالية الكرمل.

يقول قرا، الذي جلس إلى جانب ابنته الطالبة الجامعية في الرواق الصخري أمام مدخل بيته: "أشعر كما لو كنت يهوديا، ولكني لست يهوديا. أتواصل مع الناس باللغة العربية ولكني لا أفرّط إطلاقا باحتياجات إسرائيل". ثم يخرج هاتفه النقال ويبحث فيه عن صورة تظهر رجلاً يُشعل له سيجارا كوبيا غليظا في جناح فندقي داخل مدينة نيويورك. كان الرجل الذي يمسك القدّاحة بيده أكبر سنا منه، أصلع الرأس، ويلبس حمالات. إنه أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، حسبما يقول قرا، وأحد الوسطاء الذين يتعامل معهم.

نهاية الجزء الثاني

المصدر: (عربي 21)