بعد عام على مصرعه، مصر وإيطاليا تسعيان لإغلاق ملف جوليو ريجيني

بالعربي: مر عام كامل على مصرع الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثته في صحراء الجيزة، في الثالث من فبراير/شباط الماضي، بعد اختفائه ليلة 25يناير/كانون الثاني من عام 2016.

في ذلك الوقت، نشرت وسائل إعلام مصرية أن عملاء سريين متخفين منتمين إلى جماعة "الإخوان المسلمين" ارتكبوا جريمة قتل ريجيني بهدف إحراج الحكومة المصرية.

ويومها، نشرت إحدى الصحف الإيطالية الرئيسة روايات متعددة حول أسباب مقتله، أثارت حالة من اللغط الكبير حول المتسبب في حدوث الجريمة.

وقالت صحيفة "لا ريبوبليكا" إن مصدرًا مجهولًا قال إنه يعمل في الشرطة المصرية أرسل إليها بشهادته عبر البريد الإلكتروني حول ملابسات مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في مصر. وتشابهت الرواية التي نشرتها الصحيفة الإيطالية بشكل كبير مع رواية أخرى لملابسات قضية ريجيني، قام بنشرها عقيد الشرطة المتقاعد عمر عفيفي - المعارض للدولة المصرية والمقيم خارج البلاد - على فيسبوك .

وذكرت الصحيفة أنها "لم تستطع التأكد من هوية الشاهد، غير أنه ذكر في شهادته - التي بعث بها مكتوبة بالعربية مع قليل من الإنجليزية والإيطالية- ثلاثة تفاصيل أساسية تتفق مع ما توصل إليه تقرير تشريح جثمانه في إيطاليا.

أول هذه التفاصيل، حسبما قالت الشهادة، التي نشرتها الصحيفة الإيطالية، هو تعرض ريجيني للضرب على أسفل قدميه في مقر اﻷمن الوطني، وهو ما أثبته تقرير التشريح.

وأضافت الشهادة أن ريجيني تعرض للطعن “بما يشبه الحربة”، كسكين في مقدمة بندقية (سونكي)، وهو التفصيل الثاني، الذي أشار إليه تقرير التشريح الإيطالي، حسبما أوضحت الصحيفة.

وجاء التفصيل الثالث، حسب الشهادة، في تعرضه لإطفاء سجائر في عنقه وأذنيه، وهو ما ظهرت علاماته أيضًا في تقرير التشريح.

وعلى مدار العام الذي مضى، تعددت الروايات المصرية عن مقتل ريجيني، من رواية أولية تقول بمصرعه في حادث سير، إلى تحميل المسؤولية عصابة ينتحل أفرادها صفة رجال الأمن، إضافة إلى أن أولئك المنتحِلين قد قُتلوا جميعا في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في القاهرة الجديدة... بيد أن كل ذلك لم يرو ظمأ الإيطاليين إلى معرفة الحقيقة بشأن طالب ذهب لجمع معلومات لبحث يُعدّه، فأصبح جثة هامدة عليها كثير من آثار التعذيب، كما ذكرت مرارا وتكرارا جهات إيطالية رسمي.

وقد دفع تضارب الروايات المصرية بشأن مقتل الطالب الإيطالي، ورفض روما تصديقها، إلى إعلان الجهات الإيطالية أن قضية ريجيني ليست قضية إيطالية فحسب، بل هي قضية عالمية. وأعلن المدعي العام الإيطالي أن التحقيقات ستستمر، كما طلب رئيس الوزراء الإيطالي من القاهرة تقديم تفسير للحادث.

ودفع هذا التضارب أيضا محللين إيطاليين الى عدم تصديق الفرضيات المصرية. ومنها أن ريجيني - وهو طالب متميز - قد قُتل من قبل عصابة، واصفة ما نشرته وسائل إعلام مصرية متورطة مع النظام  بأنها "مشينة"، وطالبت السلطات المصرية بتفسير آثار التعذيب، التي وُجدت على جثة ريجيني،؛ مشيرة إلى استحالة انتهاء عملية سرقة بهذا الشكل الدموي.

ومع تصاعد حدة التصريحات الإيطالية والدولية ضد مصر، أوفدت النيابة العامة المصرية وفدا إلى روما برئاسة النائب العام المساعد المستشار مصطفى سليمان في السادس من أبريل/نيسان الماضي، وقالت في بيان لها إن "وفدًا من أعضائها ومن رجال الشرطة المكلفين بالتحقيق في قضية جوليو ريجيني سيصل إلى روما، في إطار التعاون الإيجابي بين النيابة العامة المصرية والنيابة العامة الإيطالية، وتنفيذًا لما تمَّ الاتفاق عليه بين النائب العام المصري المستشار نبيل أحمد صادق والنائب العام الإيطالي جيوسبي بينياتوني في زيارته الأخيرة إلى القاهرة”.

وأضاف بيان النيابة العامة أن الوفد سيقوم بـ ”استعراض ما آلت إليه التحقيقات، التي تجريها النيابة العامة المصرية في القضية”، على أن يترأسه المستشار مصطفى سليمان، النائب العام المساعد.

وجاء سفر الوفد المصري بعد يوم من تصريحات وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني بأن إيطاليا لن تتوقف عن المطالبة بـ “الحقيقة الكاملة” حول مقتل ريجيني، وليس “الحقيقة المريحة”.

وأضاف الوزير، خلال كلمة خصصت للحديث عن ريجيني أمام البرلمان الإيطالي، أن “الاجتماع المقرر (مع مصر) سيكون حاسمًا بالنسبة إلى سير التحقيقات، أما إذا أصبح غير مُجدٍ فستتخذ إيطاليا حينها التدابير اللازمة تجاه مصر”. واستكمل قائلًا إن إيطاليا لن تسمح لمصر بالتلاعب بكرامتها، حسبما نقلت صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية.

كما أكد جينتيلوني خلال كلمته أن دولته ستتخذ “إجراءات عاجلة ومناسبة ” إذا لم تغير مصر من الطريقة التي تتعامل بها مع التحقيقات الخاصة بمقتل ريجيني.

من جانبها، وعلى خلفية تصريحات جينتيلوني، أعلنت الخارجية المصرية أنها تمتنع عن التعليق على تلك التصريحات، التي وصفتها بأنها “تزيد من تعقيد الموقف”.

وبعد عودة الوفد المصري من روما، أكد مساعد النائب العام المستشار مصطفى سليمان خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقده الوفد القضائي المصري، الذي زار إيطاليا لبحث قضية ريجيني، أن طلب الجانب الإيطالي من المصري اتخاذ إجراء بحق أناس أبرياء وهو انتهاك خصوصية المواطنين وفقا للقانون المصري، وأنه لا يجوز للنيابة العامة المصرية أن تصدر قرارا يتعارض مع الحريات الشخصية وهذا الأمر محظور على من لا تقوم عليه دلائل ويخضع من يقوم به للعقاب.

وأكد المستشار مصطفى سليمان أنهم شرحوا ما انتهت إليه التحقيقات حتى الآن، وتم "استقبالنا بشكل جيد، وكان هناك أجندة للقاءات يومي 7 و8 والتقينا النائب العام الإيطالي، وعددا من قيادات الشرطة الإيطالية، ومساعد النائب العام، ورئيس جهاز العمليات، والطبيب الشرعي، وأن الجانب الإيطالي أكد أن التحقيقات الخاصة بـقضية ريجيني تسير بشكل سليم.

وأكد الوفد خلال المؤتمر، أن النائب العام المصري وافق على دعوة النائب العام الإيطالي، وتم استعراض ملابسات القضية.

وقد تزامن ذلك مع التصريح، الذي أطلقه وزير الخارجية سامح شكري من أن حادث الشاب الإيطالي جوليو ريجيني مؤلم وترك آثارا سلبية في علاقة دولة مهمة مثل إيطاليا مع مصر، لكنه حادث فردي، ومصر حريصة على توضيح جميع الحقائق للجانب الإيطالي.

والتطور الأهم في قضية ريجيني، والتي تواصلت بشأنها الزيارات بين المسؤولين الحقوقيين في مصر وإيطاليا، هو ما أعلنه النائب العام المصري المستشار نبيل صادق أمس الأحد 22/01/2017، عن موافقته على السماح لخبراء إيطاليين وشركة ألمانية باسترجاع بيانات من كاميرات مراقبة في القاهرة فيما يتعلق بمقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني قبل نحو عام.

وجاء في البيان أن صادق وافق على طلب روما "إرسال خبراء إيطاليين وخبراء من الشركة الألمانية الوحيدة المتخصصة في استرجاع البيانات من جهاز تسجيل الكاميرات الخاصة بمراقبة محطة مترو الأنفاق بمنطقة الدقي وتحليلها وصولا لحقيقة الواقعة ومرتكبها."

 

هذا التطور المثير في مسار التحقيقات الجارية منذ نحو عام في قضية ريجيني، يمنح جهات التحقيق الإيطالية صلاحيات واسعة، تتجاوز حدود التعاون الثنائي بين البلدين، وما قد يمس عديدا من الثوابت الداخلية في مصر. غير أن تلك المحاولات تأتي في سياق البحث عن وسيلة لإغلاق جرح روجيني "المفتوح" منذ أكثر من عام، والذي أثر سلبا على علاقات البلدين.