رئاسة ترامب ستكون سيئة للمسلمين وعظيمة لـ"داعش"

بالعربي: - كتب روبرت فيسك:

يوم سيء للمسلمين، يمكن ان اقول عنه، الذكر الاول الذي حصلوا عليه في خطاب التنصيب لترامب كان هوليوديا خالصا، وخطرا جدا ، " ارهاب الاسلام الراديكالي، سوف نستأصله تماما عن وجه الارض"، يبدو وكأن الامر انجيليا -  وجه الارض هذا قادم من سفر التكوين ، اليس كذلك؟- لقد كان اكبر تهديد يقدمه لشعبه.

وبعيدا تماما من حقيقة كونه لا يستطيع اجتثاث الارهاب دون ان ينظر الى سبب ازدهاره( وهو شيء اظهر ترامب انه غيرمهتم به، لان حفل التنصيب كان الاكثر تعصبا قوميا وانانية في تاريخ الولايات المتحدة) كانت دعايته التجارية للترامبية في خطاب العشرين دقيقة  بمثابة

الصرخة الاجمل المجمعة للعباد التي تلقتها داعش منذ بدأت قطع الرؤوس، وتحطيم التماثيل، وتدمير معتقدات شركائهم في الدين.

حينما تفتح قلبك للوطنية لا يكون هناك مجال للتعصب، سوف نستعيد احلامنا ، نحمي حدودنا من ويلات الدول الاخرى ، نعم كل هذا واكثر.
ما هي الويلات التي يمكن ان تحدث؟ لم يكن الشرق الاوسط  واضحا في التذمر في هذا الحفل، ينقذه من حرب الابادة القامة. بالتأكيد فان ترامب يريد اجتثاث " الارهاب الاسلامي الراديكالي بالكامل" دون اي اشارة ولو خفيفة عن كيفية تنفيذ هذا المشروع الطموح.

لكننا يمكن ان نخمن. فقط انظر الى مهرجانات تنصيب الرؤساء السابقين، ففي عام 1957 ابلغ ايزنهاور الامريكان بأنه "فقط عبر احترام امال وثقافات الاخرين سوف نمارس المساواة بين الامم" وانظر الى بوش الابن- حينما فكرنا انه اسوأ نوع من اسباح الرؤساء يمكن ان تنتجه امريكا-  والذي قال في حفل تنصيبه الثاني: " ان استمرار الحرية على ارضنا يعتمد بشكل كبير على نجاح الحرية في بلاد اخرى" واضاف: "ان افضل سلام  هو بنشر الحرية في كل العالم" وحتى بوش ذكر القرآن.  وبالمقارنة مع تلويح ترامب  الساذج والانقسامي  والوضيع  والمتبجح بالحرب فان جورج بوش الابن كان صاحب رؤية.

لم يتوقع احد ان يمشي ترامب مع رؤية اوباما حول السعي  الى "طريق جديدة للامام" مع العالم الاسلامي، "تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل". بعد الاسلام ذكر ترامب الجرائم والعصابات والمخدرات والي سماها "المجزرة الامريكية"، الحاجة الى حماية الحدود من ويلات دول اخرى".

وتماما هناك كثير من الدول في الشرق الاوسط حيث انبتقت داعش تريد ان تحمي حدودها من الغزو الاجنبي وخاصة كما حصل في العراق وافغانستان التي لا زالت حاضرة في الذهن ، وايضا من مجازر الطائرات المسيرة وعمليات القوات الخاصة، وعمليات نقل السلاح الضخمة الى الدول التي تشكل شعوبها قطيعا لداعش: هنا تظهر السعودية ، رغم اننا غير متأكدين ان ترامب لديه اية نوايا للتدخل في شؤون المملكة.
لكن ربما يكون " الدفاع عن حدود دول اخرى فيما نرفض الدفاع عن حدودنا" كان تعبيرا لاخافة ملوك الخليج الذين هم الاصدقاء الطبيعيين لترامب  اكثر من الناتو. " من اليوم فصاعدا"-  فان الاقرب وباستعارة جملة كينيدي، "لنجعل العالم يتقدم للأمام" ان يحصل هو شعار " امريكا اولا، وهي صرخة بعيدة من دعوة كينيدي للحرب ضد " الاعداء المشتركين للبشر" (الاستبداد، الفقر، المرض، الحرب). كل ما استطاع ان يتحدث عنه ترامب هو الفقر الامريكي، بينما الاعداء الثلاثة الاخرين لم تصل الى شفاهه حينما خاطب الشعب في اكثر دولة غنية على الارض.

لا يستطيع الغرباء ان يحسدوا رئيسا يريد ان يثير انتباه الشعب الذي يعتقد انه قد تهمش- خاصة من قبل صفوة  لها امتيازات، رغم اننا نعرف كلنا ان النخبوية والامتيازات هي من سمات ادارته المقترحة، لكن كان هناك انعدام للكياسة  والفصاحة وفعل الخير والشفقة لاي شخص خارج امريكا، هذا ما اتسم به خطاب التنصيب. واذا رصفت الاقتباسات – وتقريبا كل واحدة بمفردها- ، فانها تشكل تغريدة، هل هذه هي الطريقة التي يفكر بها الرجل؟ لقد كان هذا افاصل اعلاني مع فوز رياضي: امريكا ستبدأ بالفوز مرة اخرى!

لا عجب انه في هذه الاربع عشرين ساعة سيصارع محررو وسائل الاعلام  حول افضل مقاطع صوتية في الخطاب. وسيقوم اللغويون بفحص دلالات الخطاب، وسوف نكون قد انهينا العمل! بان كل التغييرات حتى الان- ومنذ الان، الرجال والنساء المنسيون في بلدنا لن يعودوا منسيين، فحينما تفتح قلبك للوطنية لا مكان للتعصب، لن اخذلكم ابدا! سوف نستعيد احلامنا، وسنفتح الطريق لم يتبع، يجب ان نفكر بالامور الكبيرة، انتهى وقت الكلام الفارغ، لن يتم تجاهلكم مرة ثانية! وحتى ان ترامب فكر وكأن بلده قد وقفت الان في قلب قرن جديد بعد 16 عاما من بدايته.

من السهل القول ان هناك شيئ ما فضفاض هنا، هل لم تعد امريكا موجودة في عالم حيث رغبات الاخرين في العدالة وحقوق الانسان هذه صفات تجاهلها ترامب تماما؟ هل حرب امريكا الوحيدة هيعلى الارهاب الاسلامي الراديكالي؟ ولاجل كسب نصر محدد بشكل كامل في هذا المجال كيف سيعامل المسلمين في امريكا الذين اذا جرحوا سينزفون نفس الدم الاحمر للوطنيين؟

هناك توجس يقول لا. سيعطي الاعلام العالمي هذا الرجل الرديء الفائدة من ديمقراطيتهم المشكوك فيها ، سيشكو السياسيون وينتحبون من نزعة ترامب للانتقام (لقد وضع ميشيل غوف المعايير قبل ايام)، كما ان تريزا ماي قد اظهرت سلفا لنا كيف ستنزلق بعيدا عن فلسطين لصالح الادارة الامريكية الجديدة.  ستكون الدول العربية نفسها – انتظروها-  بين اكثر المتملقين الى حاشية الرئيس الجديد، اما اسرائيل فلن يمسها ضر.

لن اقوم بافضل من استعارة اقتباسات من الفيلسوف الاسرائيلي والناشط والكاتب والوطني واليساري  المحطم للقوالب اوري افنيري، الذي قال قبل ساعات من حفل التنصيب " سيكون رئيسا مسليا، لكن السؤال هو: هل حقا نريد الرجل الاقوى في العالم مسليا؟ او مهووس متفجر؟ رجل لا يعرف شيئا ويدى استطاعته حل كل شيء.

كتب افنيري ان حفل التنصيب كان يوما تاريخيا، وانا لا احب الايام التاريخية، اتذكر مثل هذا اليوم حينما كان شباب يحملون مشاعلهم الاحتفالية ورموزهم الغامضة على اذرعهم يتقاطرون الى برلين.

المصدر: (الاندبندنت-  ترجمة جبريل محمد)