سوريا ومُعارضاتها المجنونة!!

بالعربي-كتبت ثريا عاصي :

استوقفني هذا الصباح 27.12.2016 خبر مفاده أن لقاءات تمهيدية تجري بين الحكومة السورية من جهة وبين المعارضة السورية المسلحة من جهة ثانية،  تمهيداً لمفاوضات من المفترض أنها ستفتتح في مدينة آستانة في كازاخستان وأن هذه المفاوضات ستمهد كما فهمت بحسب الوسيط الدولي السيد ستيفان ديمستورا، لمباحثات حول الأزمة السورية في جنيف.

يحق لنا إذا ثبتت صحة هذا الخبر أن نسأل مع أي معارضة تناقش الحكومة السورية أوضاع البلاد تحت ضغط الحرب التي تتعرض لها الأخيرة. هل يوجد أثناء الحرب الإمبريالية مكان على الساحة الوطنية للموالاة وللمعارضة ؟ الإجابة عندي طبعا بالنفي. فواجب الجميع أن يتحدوا دفاعاً عن البلاد!

مع أية معارضة تتفاوض الحكومة ؟ وعن أية معارضة يتحدثون ؟

معارضة الثائر، عضو حزب البعث السيد رياض حجاب السعودية ؟ نعرف في هذا السياق أيضاً معارضة عثمانية ـ أردوغانية، مولودة في المدينة القطرية الدوحة، يرأسها رجل كنيته خوجة جاء بعد شيخ اسمه معاذ الخطيب كما أعتقد. سمعنا كذلك عن تنسيقيات معارضة (جمع تنسيقية). يتزعم المعارض السيد هيثم مناع تنسيقية في الخارج. وهذا «نسق» مع الفرنسيين، ثم مع الأميركيين ومع الروس والمصريين وجامعة الدول العربية، وأخيرا مع الكرد الديموقراطيين، قبل أن يلوذ بالصمت ! في المقابل، هناك ناشط آخر، يقال أنه كان ناصرياً، هو السيد حسن عبد العظيم ينطق باسم تنسيقية في الداخل! ونما إلى العلم أن رجلاً مسناً، شيوعي قديم، هو السيد رياض الترك يمثل لوناً من الطيف المعارض السوري، كمثل الفيلسوف السوري صادق جلال العظم الذي وافته المنية مؤخراً.

يبدو أن المفكر برهان غليون الذي ألقى خطبة رئاسته للدولة السورية مبكراً عبر قناة الجزيرة القطرية ـ الأميركية قرر اعتزال السياسة والفكر. نذكر أيضاً في عداد المعارضين رئيساً سابقاً للمجلس السوري، وهذا بدوره تفريخ قطري، السيد جورج صبرا الذي غاب عن المشهد كلياً، ربما يكون قد صار أكثر عقلانية منذ أن أدى مراسم العمرة، إن الله يهدي من يشاء!

وحتى لا أتهم بالانحياز، أعترف أني أقرأ بين الفينة والفينة مقال السيد ميشال كيلو  عن ثورة الحرية، الذي يكرره (كمثل الجبير وزير آل سعود) من صحيفة إلى صحيفة. أعتقد أن بمقدوره أن يحتمل مصاريف العيش في باريس، وانه سيبقى في مدينة الثورات والأنوار!
لا يجب ان ننسى المعارض قدري جميل . فهذا اختار أن يعارض من موسكو. المعارضة السورية متعددة الجنسيات، إنها معارضة معولمة!
في المقابل لا أعتقد أن الدولة السورية توافق على اعتبار تنظيمات الإرهاب الإسلامي معارضة. أتمنى ذلك. من المرجح بالمناسبة أن الأخيرين يقصدون في الراهن إلى تركيا من أجل استبدال ملابسهم والانضمام إلى الجيش الحر السيئ الذكر، تحت قيادة ضباط سوريين انشقوا عن الجيش العربي السوري، والتجأوا إلى تركيا العثمانية التي تحارب ضد بلادهم، أملاً في أن تُطرح قضيتهم على طاولات المباحثات في كازاخستان وجنيف في إطار المصالحات والمساومات . فالعرب متسامحون وكِرام!

أية معارضة تستحق أن يمنحها السوريون المصداقية والثقة فيقبلون بها في سورية الجديدة؟ لا سيما أن المعارضات السورية جميعاً تتحمل مسؤولية كبيرة في إراقة الدم السوري وفي تهديم بلاد الشام. لقد صار معلوماً بوضوح أن هذه المعارضة تورطت في عملية قذرة بالمفهوم الوطني والأخلاقي. عندما تشارك الولايات المتحدة الأميركية وكلاب حراستها الأوروبيين إلى جانب تركيا العثمانية التي يحكمها رجل مصاب بداء العظمة وإلى جانب آل سعود، في حرب على سورية فإن نعت هذه الحرب بالثورة هو عمل شائن. هذا معطى لا يحتاج من وجهة نظري إلى برهان أو دليل. إن مثل هذه الحرب لا تكون أيضاً ضد أشخاص وإنما هي ضد نهج وطني وضد ثوابت الوطنية والقومية!
من البديهي القول ان جميع المعارضين ليسوا خونة ولم تكن الخيانة واردة  في خطتهم . ولكنهم ظنوا أن الأمور لن تتطور إلى الحد الذي وصلت إليه، والذي لا شك في انه أصاب بعض هؤلاء المعارضين بالهلع أمام فظاعة الجريمة التي تسببوا بها ضد شعبهم وبلادهم.

لقد أخطأوا التقدير، فاعتقدوا أن الحكم في سورية لن يصمد وأنه سينهار خلال أسابيع قليلة كمثل قصر من الرمل . لأنهم كانوا يعرفون مثل غيرهم، أن التحضير للمؤامرة على سورية بدأ في الوقت نفسه الذي شُرِع فيه بإلاعداد   لغزو العراق أي في سنة 1991 . وكانوا يعلمون أيضاً أن المتآمرين اخترقوا السلطة نفسها، ولكن الأخيرة كانت في أغلب الظن تعرف ذلك. مجمل القول ان هذه السلطة لم تسقط رغم الفساد والصعوبات والعقوبات والحصارات والتوقعات.

الذي حدث، بحسب رأيي، هو أن المتعاونين مع الأعداء وكان بعضهم مكشوفاً، سارعوا إلى القفز من السفينة  _ سورية خوفاً من الغرق. فكان ذلك أعظم خدمة قدموها إلى سورية. لم يبق في السفينة إلا الوطنيون الذين  نظموا صفوفهم تدريجياً وتصدوا لمقاومة العدوان غير عابئين بجسامة التضحيات فأثاروا حماسة جماهير أوسع من السوريين والعروبيين والحلفاء، حيث اقتنع الجميع بأن الصراع ليس صراعاً سياسياً داخلياً وإنما هي حرب على سورية  يتوقف على نتائجها مصيرنا جميعاً. نكون أو لا نكون.

هنا أدركت المعارضات خطأها وجريمتها ولكنها لم تمتلك الجرأة اللازمة بعد على الاعتراف بأنها كانت تريد السلطة فقط وليس الخراب. فراحت تتخبط في عماها، تتقسم وتتوزع فتمد يدها تارة إلى هذه الدولة الاستعمارية وتارة أخرى إلى هذا الأمير أو ذاك الشيخ الذي يعبق برائحة النفط، إلى حد أن وصل مبعوثون عنها إلى المستعمرين الإسرائيليين دون حياء. بكلام مبسط جن جنون هؤلاء المعارضين فساروا خبط عشواء. هذه هي سورية.

ولكن أخشى ما يخشى من الآن فصاعداً هو أن يفلت من الحساب  المتعاونون مع العثمانيين بحجة إنعاش السلطنة الإسلامية ضد سورية «قلب العروبة النابض». إذ من المحتمل جداً أن لا تنشأ الدولة السورية محاكم عسكرية، عرفية، كما تفعل دول العالم عندما تتعرض لحرب عدوانية همجية  الغاية منها إلغاء الدولة وتشريد الناس. يُقال في بلادنا «الخيانة وجهة نظر».

مهما يكن فإن دروس السنوات الست الماضية، بالضد من دروس الأيام الستة في حزيران 1967، كافية في اعتقادي لكي يتعلم السوريون والعروبيون معهم، معنى الوطن وضرورته والحاجة له. أعتقد أن الحكومة السورية حفظت هذه الدروس جيداً، لولا ذلك لما أظهرت الشجاعة والثبات والحماسة في الدفاع عن سورية وعن جميع السوريين فأدهشت العالم وكذبت توقعات الأعداء.