الشرطي التركي والطائرة الروسيّة

بالعربي- كتبت: ثريا عاصي

قام أول أمس شرطي تركي بإعدام السفير الروسي في تركيا رمياً بالرصاص أمام الحضور في صالة عامة كان السفير يلقي محاضرة فيها. من البديهي أن الحكومة التركية لم تصدر حكم الإعدام على السفير ولم توكل أمر تنفيذه الى الشرطي القاتل. فمن المحتمل أن يكون هذا الأخير قد تلقى التكليف بمهمة القتل من جهة أخرى غير الحكومة التركية أو أنه بادر إلى فعلته بنفسه نتيجة تعصب ديني وقومي!.

فلا يعقل أن تطلب السلطات التركية، العثمانية الجديدة، من شرطي  أن يقتل سفيراً لديها بأسلوب رجل مهووس أو بطريقة يتبعها المافياويون في صراعهم على النفوذ.

ومهما يكن فإن ما جرى للسفير الروسي يضرب في الصميم هيبة دولة السلطان أردوغان ويدل على ضعفها وعلى خلخلة نظامها  الإخواني الإسلامي إلى درجة متقدمة.

فضمان سلامة السفير مسألة هامة جداً في العلاقات بين الدول، كون السفير رسولاً ووسيطاً وليس محارباً! هذا من ناحية، أما ناحية ثانية فإن هذه الحادثة الغريبة في أنقرة تقع في وقت تنحو فيه المواقف التركية في المسألتين العراقية والسورية نحو الحلحلة والتراجع عن الأطماع التوسعية في منطقة الهلال الخصيب وعن الأوهام في إمكانية إحياء الدولة العثمانية والعودة في سياق المشروع الإمبريالي الأميركي "الشرق الأوسط الجديد" إلى ما قبل إتفاقية سايكس ـ بيكو بين القوتين الإستعماريتين آنذاك، فرنسا وبريطانيا، أملاً بنيل حصة أكبر، إستناداً إلى تشخيص خاطئ  أعتمد عليه الرئيس التركي العثماني، الذي ظن أنه يمكن تحييد روسيا والصين وإيران أو ربما إخلائهم من الساحة السورية، بالتهويل الأميركي والتمويل السعودي ـ الخليجي.

من المرجح إذاً انه تكشفت أمام صاحب القرار التركي حقائق ومعطيات أقنعته بضرورة وقف الحرب العدوانية التي يشنها بالوكالة على سورية، وفي مقدّمها أن إيران وروسيا والصين إلى حد ما، لم يأتوا إلى سورية من أجل مساعدة السوريين فقط، وإنما جاؤوا أيضاً لأن الحرب التركية على سورية وراءها الولايات المتحدة الأميركية وكلاب حراستها الأوروبيين وبالتالي هي بمثابة  إشعال حريق كبير في سورية والعراق، يأتي على الأخضر و اليابس، حتى تصل  النار إلى البلدان الثلاثة إيران، روسيا والصين.

هل تخيل صاحب القرار التركي ان هذه البلدان لن تحرك ساكناً ؟ هل أعمى داء العظمة بصيرته فاعتقد أن الفرصة سانحة ليس لضم أجزاء من الهلال الخصيب وحسب وإنما للتوسع أيضاً في القوقاز وشرقاً نحو بحر قزوين حيث يوجد بحسب الخبراء مخزون نفطي كبير؟.

مجمل القول أن هناك مؤشرات على تعديل أو تبديل ربما في الموقف التركي لجهة التصالح مع دول الإقليم. لا سيما أن الأوضاع في الداخل التركي ليست كما يبدو، على ما يرام. فيكاد لا يمر أسبوع دون أن نسمع عن وقوع انفجار في مكان عام تارة وفي مركبة عسكرية تارة أخرى، وكأن السحر انقلب على الساحر. ناهيك من الفوضى التي لا شك في أنها انتشرت في مؤسسات الدولة نتيجة الإنشقاق الذي حصل بين الأخوان المسلمين الذين يتزعمهم  السيد أردوغان من جهة، وبين حلفائهم الإسلاميين أيضاً من جهة ثانية، أنصار داعية تركي يعيش في الولايات المتحدة اسمه فتح الله غولن.

من البديهي إذاً ان الذين وضعوا خطة قتل السفير الروسي في أنقرة يريدون التعبير عن سخطهم أزاء السيرورة التصالحية التي تسير فيها تركيا استناداً إلى تجربتها في الحرب على سورية طيلة الست سنوات الماضية، بحيث لم يعد أمامها خيار غير طاولة المفاوضات بحثاً عن مخرج لحرب عدوانية تتحمل مسؤولية كبيرة في إضرامها، وفي الخسائر الهائلة التي نجمت عنه.

من نافلة القول أن مقتل السفير الروسي لن يؤثر على سير المفاوضات بين تركيا من جهة وبين إيران وروسيا من جهة ثانية، ولكن يمكن أن يشكل عاملاً إضافياً في تأجيج الأزمة التركية الداخلية. بمعنى آخر انه بالرغم من إسقاط الطائرة الروسية الذي كانت الغاية منه التسبب بصدام عسكري بين تركيا من جهة وبين روسيا من جهة ثانية، فإن فعلة الشرطي التركي قاتل السفير الروسي هي في لبها محاولة لإشعال حرب تركية داخلية، أهلية.

علماً أن تفجر هذه الحرب سوف يكون أشد خطراً على المنطقة من احتلال العراق وغزو سورية، ولا جدال في أن هذا الخطر سيهدد أيضاً روسيا وإيران بدرجة لا تقل بحسب رأيي عن الحرب الروسية ـ التركية والإيرانية التركية.

خلاصة القول ان الذين فشلوا في جرّ الروس إلى حرب ضد تركيا بواسطة إسقاط إحدى طائراتهم القاذفة، يأملون بأن تتسبب رصاصات شرطي أبله بحرب أهلية في تركيا نفسها كوسيلة لإيصال لهيب النار شمالاً إلى روسيا وشرقاً حتى حدود الصين. فهل يتحرك الجيش التركي ليوقف الحرب العدوانية التركية ضد سورية وينقذ تركية من الحرب الداخلية؟.