لماذا يسمح بالإجهاض في تونس؟

بالعربي- كتب كريم المرزوقي:

أن تجهض الأمّ جنينها في تونس لأنها ببساطة لا تريد طفلًا الآن، فذلك لا يتطلّب منها عمومًا إلا التوجه إلى أقرب مستشفى للقيام بعملية الإجهاض. فإن كان القانون التونسي يمنع الإجهاض بصفة مبدئية، فقد جعل استثناءً الممنوع يذوب في رحاب المشروع. فأول استثناء للمنع هو ألا تتجاوز مدة الحمل 3 أشهر، وهو استثناء جعل باب إسقاط الجنين مفتوحًا حتى هيمن الاستثناء على الأصل فيكون بذلك الإجهاض حقًا محددًا في الزمن، ذلك أنه غالبًا ما يكون قبل استكمال المدة القانونية الدنيا.

يسمح القانون التونسي للمرأة بالإجهاض ما لم تتجاوز مدة الحمل 3 أشهر أو إذا مثل الإنجاب ضررًا على صحتها

كما لا يمنع تجاوز هذه المدة من قطع الحمل بالوصف القانوني، وهو ما يحيل للاستثناء الثاني، الذي يبيح للأم التخلي عن جنينها بعد مرور 3 أشهر لمجرّد الخشية أن يسبب تواصل الحمل ضررًا في صحتها.

وبذلك، لا تحتاج الأم في تونس للبحث عن طبيب يقوم بعمليات إجهاض في الخفاء على غرار الدول العربية التي تمنعه ولا تبيحه إلا بشروط "تعسفية"، وهو ما قد يمثل بالتتابع تهديدًا لصحّتها. حيث يكفي الأم التوجه لمستشفى حكومي أو مصحة خاصة لإسقاط جنينها دون الخوف من الملاحقة القانونية. فقبل سنتين، أعلن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، مؤسسة عمومية رسمية، أن نسبة الإجهاض في تونس بلغت 14 ألف حالة إجهاض سنويًا في المؤسسات الصحية العمومية فقط، في ظل غياب أرقام رسمية عن الإجهاض في المؤسسات الخاصة.

والصورة المتواترة في الأذهان لإجهاض جنين لدى العموم هو أن أمًا متزوجة لا تفضل الإنجاب فتقوم بإسقاط حملها دون حتى الحاجة لترخيص من الزوج، بيد أن هذه الصورة ليست النموذجية، ذلك أن الأم المتزوجة التي لا تريد الإنجاب عادة ما تستعمل وسائل منع الحمل، وهي متوفرة بكثافة، خاصة وأن تونس هي من أوائل الدول العربية التي أرست سياسة تشجيعية لتحديد النسل. وعليه، فالأم المتزوجة غالبًا ما تحرص على إعدام فرص الحمل قبل إعدام الحمل نفسه حين تحققه.

وعلى خلاف ذلك، فإن من حالات الإجهاض المتواترة في تونس تعود لنساء غير متزوجات، لم يجدن بدًا من التخلص من الحمل إلا بالإجهاض دون خوف من تتبع قانوني في كل الحالات. فلا يعاقب القانون غير المتزوجة ذلك أن ممارسة العلاقات الجنسية بصفة رضائية هو مباح، ولا يمنع القانون كذلك وفق ما تمت الإشارة إليه الإجهاض إن نتج عن المعاشرة الجنسية خارج إطار الزواج للحمل.

وقد تفضل عديد النساء اللاتي يحملن سفاحًا إلى عدم إجهاض الجنين والاحتفاظ به، وهو ما جعل نسبة الأمهات العازبات مرتفعة في تونس. حيث أكدت الإحصاءات الرسمية، أن هناك ما بين 1200 و1600 مولودًا سنويًا خارج إطار الزواج، أي بمعدل ما بين ثلاثة إلى أربعة مواليد يوميًا.

بلغت نسبة الإجهاض سنويًا في المستشفيات الحكومية التونسية 14 ألف حالة

بيد أنه غالبًا ما تسعى الفتاة غير المتزوجة للتخلص من "العار"، وإن علمت بحملها بعد 3 أشهر ولم يكن الحمل مهددًا لصحتها، فإن القانون يمنعها من إسقاط الجنين ويجعل القيام به جريمة تعاقب الأم بناء على ذلك بعامين سجنًا وبخطية مالية. وينسحب المنع في الشرع حيث أجمع الفقهاء في المذاهب الأربعة على تحريم الإسقاط بعد النفخ في الجنين. وتجاوزًا للمنع القانوني والتحريم الشرعي، تهرع الفتاة خاصة قبل انكشاف حملها أمام عائلتها لإسقاطه خفية في عيادة خاصة، مقابل مبلغ مالي وفي غياب تحمل للمسؤولية فيما يتعلق بالرقابة الطبية.

ولعلّ ما قد يشجع الفتيات على الإجهاض هو إمكان التخلص من الجنين دون تدخل جراحي فيما يُسمى الإجهاض الدوائي. وهو طريقة لإيقاف الحمل باستعمال حبوب تتناول عن طريق الفم ولا يتطلب الأمر تخديرًا ولا جراحة، فهو أقل تكلفة مالية وأكثر حماية صحية مقارنة بالإجهاض التقليدي أو الجراحي حيث ترتفع نسب المضاعفات على غرار النزيف الدموي والعقم. وهذه الطريقة المفضلة كذلك بالنسبة للفتاة لأنها لا تحتاج إلا للتواصل مع طبيبها فقط فتتفادى بذلك ضرورة التواصل مع طاقم طبي كامل في صورة الإجهاض الجراحي.

تبنت الأمم المتحدة مؤخرًا الإجهاض كحق من حقوق الإنسان، والقانون التونسي جعله حقًا في بداية الحمل، وذلك بخلاف غالبية الدول العربية التي تمنعه. وبذلك يمثل الإجهاض اليوم في تونس ملجأ للمتزوجات اللاتي لا يفضلن الإنجاب في وقت محدد، وكذلك متنفسًا للفتيات غير المتزوجات لإسقاط جنين يوصم مجتمعيًا بـ"ابن حرام"، حيث قد لا يكون الإجهاض بذلك إلا الحل المباح للوضع المستجد.

المصدر:(الترا صوت)