"تزوجي أنا مش دايمتلك" وكأن الحرب تُبقي حُباً !

بالعربي: كتبت- رولا حسنين

ما زالت أمي وكثير من أمهات الفتيات العازبات يقنعن فتياتهن بالزواج ويرددن مقولة قاتمة "تزوجي أنا مش دايمتلك"، كلما سمعت هذه العبارة يراودني شعور بائس، وكأن أمي وأمهات الفتيات لا يعشن في هذا الواقع الذي نحياه، أو ربما تجربتهنّ في رحيل أبائهن وامهاتهن عن الحياة قبل أزواجهن جعلهنّ أسيرات هذا النمط من الاعتقاد، أشعر لوهلة أنهنّ خارجات عن نطاق الحرب الطاحنة التي تودي بحياة الكل، ولا تُبقي حباً ولا أحداً.

اتساءل في جوفي هل يدوم أحدنا لآخر، هل يدوم الزوج ويَفنى الاهل موتاً أو بُعداً، لو افترضنا أننا نحيا في زمن يسوده السلام والأمان، اليس هناك احتمالية فناء الزوج والابناء وبقاء الاهل، اليس هناك احتمالية موت الفتاة قبل الزواج وقبل وفاة الزوج والاهل، اليس الموت لا يفرّق بين صغير وكبير، ام واب، زوج وأخ، ذكر او انثى، فلماذا تُردد عبارة "تزوجي أنا مش دايمتلك"!؟.

أطرقت مسامعي صيحات طفل سوري صغير، يستنجد الأطباء بارجاع أخيه الى الحياة بعد أن قتلته آلة الحرب، مردداً "ابوس ايديكم رجعولي اياه، ابي مات وامي ماتت، ما الي غيره"، هل كان يظن الطفل سابقاً أن ثمّة موت سيأخذ منه أباه وأمه وأخاه وكل عائلته، حتماً لا، ولكنها الحرب لا تُبقي حُباً، ولا تذر أحداً لآخر.

أحاول أقناع أمي بهذا المثال البسيط جداً، أمام كل الأمثلة المؤلمة التي نعايشها يومياً في أقطار البلاد العربية، من قتل بلا مبرر، أحاول إعادة ترجمة عقلها بأن لا أحد يدوم لآخر، فحتى أنفسنا لسنا دائمين لها، الموت يلاحقنا على أي حال كنّا، متزوجين أو غير ذلك، أمهات أو آباء أو أجداد، أو أطفال، فرحيل أمي وإن تعددت أسبابه لا يبرر زواجاً، فلا الزواج يدوم ولا الزوج ولا أمي ولا أنا.

الحرب يا أمي لا تُبقي حُباً، ولا تُخلّد أحداً، كلنا راحلين عن كلنا، كذلك الحياة يا أمي، لا أحد يدوم لآخر، فكفّي عن ترديد العبارة تلك، وأريحي قلبي من تذكر الموت ألف مرة، واستحضار فكرة أنه قد يسلبك مني، أو يسلبني منكِ، أو يسلبنا على نحو آخر.