ذهب أوردوغان لا يلمع

بالعربي - كتب خالد كراجة :

التغيير ضرورة موضوعية ناتجة عن فعل اجتماعي وفي كثير من الاحيان يكون هادفا، ومن خلال ذلك تحتاج المجتمعات لتأمين حياة اكثر عدالة الى التغيير في نظم وقوانين وسلوكيات على مختلف المستويات منها ما هو فردي ومنها ما يمس السلطة السياسية واحيانا كيان الدولة، هذا يعني ان السكون هو حالة افتراضية ووعي ذلك يقتضي الحركة الهادفة هنا تتجسد قيمة الحرية بما هي وعي الضرورة.

السكون هو الموت الطبيعي والاجتماعي، تطورت المجتمعات لانها رفضت السكون واكتشفت في حركتها  آليات التغيير، فوصلت الى الديمقراطية، التي تقوم على اللاعنف، والتغيير الأبيض، وما يعرف بالتداول السلمي للسلطة، فوجدت صناديق الاقتراع وسيلة، أثبتت نجاحها في ضمان التغيير دون اراقة للدماء.

التمسك بمبدأ الديمقراطية هو امر  أساسي، لكن  اختزال الديمقراطية بصندوق اقتراع هو تشويه للديمقراطية التي تعبر عن الارادة الشعبية والتي يمكن ان تكتشف خطأ تقديرها فتحاول استعادة التفويض الذي منحته لمن ثبت انه ليس اهلا للثقة، فيمكن للشعوب الخروج على الحاكم والتظاهر والمطالبة بتغييره، فتدفعه للاستقالة، وبالتالي يعود الناس الى صندوق الاقتراع ليقدموا تفويضا جديدا، والا لما كان تداول السلطة الزمني مبدأ من مباديء تطبيق الديمقراطية. اجراء الانتخات المبكرة لم يعد بدعة، فقد حدث في كثير من دول العالم.

الوقوف ضد الانقلاب العسكري او رفضه في تركيا ليس وقوفا ضد التغيير، او وقوفا الى جانب اوردوغان، بل هو وقوف الى جانب اللاعنف والتداول السلمي للسلطة، والى جانب الديمقراطية التي تمتلك أدواتها وآلياتها للتغيير، وهذا الموقف ينطبق على كثير من الدول، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، أو الديني، أو العرقي.

واعتقد ان الشعب التركي سيصل الى مرحلة، يفرض فيها التغيير، بعد 12 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، وسيدافع الشعب التركي عن علمانيته، وحريته، كما دافع عن ديمقراطيته بنزوله الى الشوارع رافضا الانقلاب، الذي رأى فيه تعديا على حقه المدني في انتخاب من يمثله، ولقناعة لديه ان حكم العسكر لم ولن يكون علمانيا حقيقا، كما سيكتشف أن أوردوغان ليس ديمقراطيا ولن يحترم الديمقراطية التي دافع عنها، وهناك الكثير من الشواهد على الصعيد السياسي التركي الداخلي تثبت دكتاتوريته ومحاولته لترسيخ نظام حكم فردي بصلاحيات مطلقة،"ليس كل ما يلمع ذهباً"، هذا من الجانب الداخلي لتركيا.

أما فيما يتعلق بالجانب العربي، وخاصة الفلسطيني، وما شاهدناه من انقسام ما بين مؤيد للانقلاب، ومعارض له، أرى ان تأييد الانقلاب شيء فيه من السخف ما فيه وخاصة ان تأييد الانقلاب يضعنا في موقف قد يكون فيه تناقض فيما لو كان الانقلاب في بلد آخر نشعر بالتعاطف مع نظامه السياسي، أما معارضته، فبنيت على منطلقين الأول تعرضنا له وهو المنطلق الديمقراطي، والمنطلق الآخر وهو الاسلامي.

الكثيرون ممن عارضوا الانقلاب عارضوه لاعتبار ان اوردوغان قائد اسلامي سني، وينتمي لحركة اسلامية ترتبط بالاخوان المسلمين، ظنا منهم انه سيعيد مجد الاسلام، والخلافة، والتي لا اعتقد ان أوردوغان بهذه السخافة حتى يعتقد انه في ظل المعطيات الدولية والاقليمية لديه الاستعداد او يفكر في خوض مغامرة معلومة النتائج وهو الفشل، وخاصة ان زمن الامبراطوريات قد انتهى، وأن ليس هناك من الدول من سيسمح له بالتمدد كما يشاء، ولو كان بالامكان تحقيق ذلك لكن الاجدى ببريطانيا ان تفكر باعادة امبراطوريتها التي لم تكن تغب عنها الشمس، أو عودة روما، أو الامبراطورية الفارسية، وبالتالي عليهم ادراك ان محاولات أوردوغان للايحاء بذلك فقط للاستهلاك السياسي، وما هي الا استغلال للشعارات الشعبوية التي يدرك مدى اعتقاد عامة الناس بها لكسب تأييدهم وايجاد موطىء قدم له في المنطقة وخاصة العربية، وعبر عن ذلك وبشكل واضح احد الصحفيين المؤيدين لاوردوغان ليلة الانقلاب عندما سأله المذيع عن عدم صدور أي تصريح من الدول العربية حتى الآن، قال "نحن لا نتحدث عن الحكومات وانما نعرف ان أوردوغان لديه شعبية واسعة عند الشعوب العربية".

على الصعيد العربي، لا يستطيع العربي الا ان يكون ضد اوردوغان وسياسته في المنطقة، التي تعبر عن اطماعه وطموحاته، في التمدد والسيطرة، وتحقيق مصالح تركية في المنطقة، من خلال اقامة علاقات مع حركات الاسلامي السياسي التي يدرك انها مدخله بحجة أنه يرتبط بها جذريا، وبالتالي اذكاء الصراع الطائفي في مواجهة منافسه اللدود في المنطقة وهي ايران والتي تلعب نفس الدور، عوضا على الارتباطات التركية الدولية سواء في حلف "النيتو" او مصالحها مع عدو العرب "اسرائيل" ولا نريد الخوض في التفاصيل فهي مشبعة.

غياب المشروع القومي العربي، والانقسامات العربية، هي من جعلت الشعوب العربية تنقسم على نفسها، وتهتم بشؤون دول غير دولها، ظننا منها أن "المخلص" قادم من هناك، حالة اليأس من كل ما هو عربي، جعلت العربي يبحث عن بريق أمل في أعتم زاوية، واكثرها ضبابية، جعلت العربي يسير بين الألغام دون الشعور بانه قد يكون ذاهبا الى حتفه.