البحرين : أعمار تضيع وحقوق تهدر

بالعربي- هناء بوحجي : أمضت العاملة الإثيوبية سي تي (23 عاماً) ثلاثة أشهر من 2015 تترقب في مأوى جمعية حماية العمال الوافدين، بعد أن هربت إلى مركز الشرطة من منزل الأسرة التي عملت لديها لسبع سنوات، بسبب ظروف العمل القسري.

بلكنة بحرينية تقول سي تي إنها لا تريد سوى العودة «الحين… الحين» (حالاً) إلى بلدها لرؤية أهلها ووالدتها المريضة.

دخلت سي تي البحرين في 2008 بوثيقة سفر زوّر والدها عمرها فيها، وبعلمها، من 16 إلى 20 عاماً، لتصبح عاملة منزل في البحرين التي يعمل فيها أزيَد من 100 ألف وافد في قطاع العمالة المنزلية، جُلّهم من النساء، بحسب بيانات هيئة تنظيم سوق العمل للعام 2015.

بعد عامين، انتهى عقدها، فوافقت سي تي على مواصلة العمل عند الأسرة ذاتها عاماً آخر من دون الحصول على إجازة بين الفترتين، أو تعويض عن إجازتها، إذ اعتقدت أنه أمر طبيعي، لجهلها بحقوقها حال العديد من المصنّفين كعمّال منازل، وهي عمالة تعتبرها منظمات حقوقية دولية «الأكثر عرضة للاتجار بالبشر» بحسب دراسة الرصد العمالي لمنظمة العمل الدولية في أبريل/ نيسان 2013.

بعد انقضاء السنة الثالثة، أبلغها رب الأسرة التي تعمل لديها، أنه لا يمكنها السفر مدّعياً أنه لم يحصل على جواز سفرها من مكتب التوظيف منذ قدومها البحرين.

سي تي واحدة من مئات الحالات لعاملات منازل تعرّضن للمنع من السفر لفترات طويلة وحُرمن من استلام رواتبهن بانتظام، بالإضافة إلى حجز وثائق سفرهن، ضمن حالات تصنَّف دولياً وبحرينياً تحت بند «العمل القسري»، وهو أحد وجوه «الاتجار بالبشر» بحسب قانون تجريم الاتجار بالأشخاص في البحرين الصادر عام 2008.

سي تي واحدة من مئات الحالات لعاملات منازل تعرّضن للمنع من السفر لفترات طويلة وحُرمن من استلام رواتبهن بانتظام، بالإضافة إلى حجز وثائق سفرهن، ضمن حالات تصنَّف دولياً وبحرينياً تحت بند «العمل القسري»، وهو أحد وجوه «الاتجار بالبشر» بحسب قانون تجريم الاتجار بالأشخاص في البحرين الصادر عام 2008.

كان بالإمكان محاكمه مستخدم سي تي تحت بنود هذا القانون الذي منح البحرين الريادة على مستوى الخليج العربي، وفرض عقوبات تتراوح بين السجن وغرامات مالية تصل إلى 2,500 دولار أميركي حيث ترك القانون للقاضي مهمة تقدير العقوبة.
غير أن العديد من التحديات تعترض تطبيق هذا القانون في البحرين، ما يؤدي إلى انتهاك حقوق المتضررات ووقوعهن في شباك «الاتجار البشر»، في الوقت الذي يفلت الجناة من العقاب الذي يحدده نتيجة اعتبار الأطراف المتعاملة مع هذه الحالات أنها ليست أكثر من قضايا عمّالية وليست اتّجاراً بالبشر، بحسب ما يكشف هذا التحقيق الاستقصائي.

ففي إحصائية حصلت عليها معدة التحقيق من جمعية حماية العمال الوافدين، فإنّ نحو 100 عاملة منزل وافدة تعرضت لاحتجاز راتبها لأشهر أو سنوات، ضمن شكاوى موثقة تلقتها الجمعية من العاملات.

يوثق تقرير الاتجار بالبشر والذي تصدره سنوياً وزارة الخارجية الأميركية 600 حالة خرق لقانون العمل في البحرين تمّت تسويتها من خلال وزارة العمل في 2014. هذه القضايا موزّعة بين 223 حالة حجز وثائق السفر، و377 امتناع عن دفع الأجور.

جرائم

يقول مصدر من النيابة العامة: «هناك اختلاف، حتى على المستوى الدولي في تصنيف بعض جرائم العمل القسري. في البحرين لا ترقى إلى «جرائم الاتجار بالبشر»، وتعتبر قضايا عمالية».
وفي السياق ذاته، يقول المحامي أحمد الدوسري، المتخصص في القضايا العمالية: «لم نسمع قط عن قضية عاملة منزل تم النظر فيها تحت قانون الاتجار بالبشر».

رأي الدوسري يطابق موقف رئيسة جمعية حماية العمال الوافدين في البحرين (أهلية) ماريتا دياز، التي تؤكد «لم تتوقف الحالات المشابهة لعاملات يعانين العمل القسري والحرمان من الراتب، والاحتجاز، عدا حجز وثائق السفر، إلا أن أيّاً منها لم تُنظر تحت قانون «مكافحة الاتجار بالأشخاص» طيلة سبع سنوات منذ صدور القانون.

وتتابع «في الغالب تتم تسوية الحالات خارج المحاكم بداعي السرعة لعدم احتمال المتضررات المزيد من الانتظار، أو بسبب خوفهن من طول الإجراءات، ما يدفعهن للتنازل عن حقوقهن المادية والأدبية، والرضا بأفضل ما يمكن الوصول إليه من تسويات، من دون الاهتمام بتوقيع أي عقاب على أرباب العمل».

توضح دياز «ستكون العاملة محظوظة لو حصلت على حقوقها المالية وتذكرة العودة. أمّا التعويض عن الضرر النفسي، أو عن العمر الذي يضيع في الاحتجاز والانتظار، فهو ضرب من الخيال».

وتضيف «لم أسمع عن قضية واحدة تم إدراجها تحت تصنيف الاتجار بالبشر في البحرين، إلا تلك المتعلقة بالاستغلال الجنسي».

معوقات التطبيق

بالإضافة إلى العوامل المذكورة، فإنّ سلسلة معوقات وتحديات أخرى قلّلت فرص تحويل قضايا إساءة استغلال عمال المنازل إلى قضايا تُحاكم تحت بنود قانون الاتجار بالبشر.

فغالبية العاملين في مراكز الشرطة، وهي الجهة الأولى التي تستقبل عمال المنازل من المتضررين بحسب قانون الاتجار بالأشخاص قبل تحويلهم إلى النيابة وإلى مركز الإيواء التابع لهيئة تنظيم سوق العمل (دار الأمان سابقاً)؛ يحتاجون إلى تدريب متخصص لتحديد ضحايا الاتجار بالبشر وطريقة التعامل مع ملفاتهم. ويؤكد انتباه النيابة العامة لذلك بالمبادرة بتدريب العاملين في الصف الأول لاستقبال المتضررين بمراكز الشرطة؛ إذ أكد مصدر النيابة العامة أن «النيابة العامة قامت بتنظيم العديد من الدورات المتخصصة لمأموري الضبط القضائي لمختلف الجهات الأمنية وكذلك لشعبة مكافحة الاتجار بالأشخاص بوزارة الداخلية، وهذا جزء من الجهود المبذولة في سبيل رفع الوعي والكفاءة سواء كان في كيفية اكتشاف الضحية والتعامل معها أو توفير كافة ضمانات الحماية، إضافة إلى برامج التدريب المستمر من عدة جهات مشرفة في كيفية التعامل مع الضحايا ومفهوم جريمة الاتجار بالاشخاص، ولاشك أن مأموري الضبط القضائي في حاجة للمتابعة والتوجيه وتكثيف الدورات في هذا المجال، ووضع برامج التدريب المستمر لمواكبة التطور الحاصل في عالم الجريمة».

وغالباً ما يؤدي ذلك إلى تسجيل قضايا تحتمل شبهة اتجار بالبشر، كشكاوى عمالية عادية، قد يستغرق حل بعضها 10 سنوات، أو تتنازل المتضررات عن حقوقهن في الذهاب إلى المحكمة، ويلجأن لتسويات سريعة تهدر حقوقهن التعاقدية بسبب عدم القدرة على الاستغناء عن الرواتب التي تعتاش أسرهن عليها في أوطانهم، وعدم القدرة على تحمل التمثيل القانوني، والخوف من فقدان تصاريح الإقامة خلال مرحلة الإجراءات القانونية، أو من سوء المعاملة الإضافية على يد رب العمل.

لذلك، أُنشئت إدارة الدعاوى المستعجلة في 2012، لتتبع وزارة العدل والشئون الإسلامية لتسوية هذه الخلافات في مدة شهرين. وفي حال لم تواجه المشكلة تعقيدات ومماطلة من قبل أصحاب العمل، تلزم الإدارة صاحب العمل بقراراتها إذا تمت التسوية وقبلها الطرفان. وفي حال فشلت التسوية، تُحوَّل القضايا إلى المحكمة الكبرى بعد أن يقدم مسئول الإدارة، وهو برتبة قاضٍ، تصوُّرَه للقضية.

لكن لا توجد إحصائية دقيقة لعدد القضايا التي تمت تسويتها بين العمال وأرباب العمل، أو تلك التي لم تتوصل الإدارة إلى حلها وحُوِّلت إلى المحكمة الكبرى بحسب مصادر الإدارة. أمّا مصادر النيابة، التي تعتبر المحطة الأولى لاستقبال الحالات المشتبهة كاتجار بالبشر، فإنها تقول إنه لم تُحوّل لها، حتى الآن، أي حالة من إدارة الدعوى العمالية.

وفي هذا السياق، يؤكد مصدر من إدارة الدعوى العمالية التابع لوزارة العدل أنه «ليس من صلاحياتنا، أو مسئوليتنا إرشاد المتضررين أو تحويل القضايا ليتم النظر فيها تحت قانون الاتجار بالأشخاص، فالقضايا تردنا كقضايا عمالية، وتكتب الإدارة تقريرها الذي ينظره القاضي تحت قانون العمل».

جدول 1: إجمالي الحالات المشتبهة كاتجار بالبشر منذ صدور القانون – ليس من بينها عاملات منازل(المصدر: النيابة العامة)

فقر الوعي

في أحيان كثيرة يصبح فرار العمال طلباً للنجدة، نقمة عليهم، إذا ما سارع الكفيل بتسجيل بلاغ هروب قبل وصول الفارّين للشرطة، فيتحوّلون لمتهمين بالهرب من كفلائهم، ويُحكم عليهم بالسجن لأسبوعين وترحيلهم، في بلد سجلت فيه 1108 حالات هروب للعاملات ما بين يناير/ كانون ثاني وأغسطس/ آب 2015 بحسب هيئة تنظيم سوق العمل، التي تعمل حالياً مع السفارات المعنية لإعداد كتيّب يشمل أهم المعلومات التي تحتاجها العاملة المنزلية والمتعلقة بواجباتها وحقوقها، وكذلك الرقم الساخن (992) الذي أطلقته الهيئة في ديسمبر/ كانون الأول، بحسب مصدر في الهيئة ذاتها.

تعود دياز لتؤكد «يُعد ذلك من أبرز الأسباب التي تضيع معها حقوق الضحايا المحتملين للاتجار بالبشر، إذ يتم اتهام العاملات بالسرقة أو أي سلوك آخر غير مقبول ما يُحولها من ضحية إلى متهمة».
14 عاماً عمل بالإكراه

الإثيوبية سبلي آبي التي جاءت إلى البحرين في 1999 كان عمرها 20 عاماً، مثال لما يمكن أن يحدث لضحايا العمل القسري الهاربات من أوضاعهن بحثاً عن جهة يلجأن إليها.

المعاملة القاسية في العام الأول دفعت آبي للهرب واللجوء إلى مركز شرطة قريب. لكن رب الأسرة التي تعمل لديها حضر لاستلامها بزيّه العسكري بحكم عمله؛ ما جعلها تتخوّف من معاودة المحاولة، بحسب ما ذكرته لجمعية حماية العمال الوافدين التي آوتها بعد هروبها الأخير، ولم تعاود الهرب إلا بعد مرور عدة سنوات وفقدانها الأمل في حلٍّ آخر، حيث احتجزت لأسبوعين قبل أن تعود إلى أهلها وعمرها 35 عاماً.

تابعت الجمعية حالة آبي، وطالبت لها بـ 7000 دينار وهي رواتب غير مستلمة، وبدل إجازات وتذاكر سفر. لكنها لم تتسلّم منها سوى 2000 دينار بحسب عضو الجمعية ورئيسة التجمع الأثيوبي في البحرين إسكي جيرمي، التي تولّت متابعة ملف سي تي أيضاً. ظلت جيرمي تتابع القضية بعد مغادرة آبي البحرين منتصف 2014 حتى تمكنت من الحصول على 2000 دينار أخرى، ليبلغ مجموع ما حصلت عليه آبي عن 15 عاماً من العمل القسري، أربعة آلاف دينار وبنسبة تقل من 60 % من إجمالي مستحقاتها المالية. ولم يكن مطروحاً أي تعويض عن الضرر النفسي الذي تعرضت له.

وبحسب مصدر من وحدة مكافحة الاتجار بالأشخاص بإدارة التحقيقات الجنائية في وزارة الداخلية، فضّل عدم ذكر اسمه، فإنّ الوحدة لا تبحث عن القضايا «بل نتعامل مع ما تُحوَّل إلينا من النيابة للتحقيق فيها إذا كانت بها شبهة الاتجار بالأشخاص». ويشير إلى أنه تم النظر في قضايا تحت قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص، وغالبيتها ذات علاقة بتسخير العمالة الأجنبية للعمل في الدعارة.

وتعتبر النيابة العامة هي المحطة الأولى التي يبدأ منها التحقيق في الحالات المشتبهة كإتجار بالبشر والمُحوَّلة إليها من مراكز الشرطة أو الجمعيات الأهلية الحقوقية أو من السفارات أو من المتضررين أنفسهم.

                                                                        رسم توضيحي

تتضمن قصة سي تي مؤشرين للتعرض للاتجار بالبشر في مخالفة واضحة للقانون. الأول: الاحتجاز ضد إرادتها بعد انقضاء فترة عملها المتفق عليها، والمؤشر الثاني ليس حجز وثيقة السفر وحسب، بل والمماطلة أيضاً في توفير وثيقة سفر مؤقتة تمكّنها من العودة إلى بلادها، في مخالفة واضحة لقانوني مكافحة الاتجار بالأشخاص وقبله قانون العمل البحرينيين.

تقول جيرمي: «فشلت محاولاتنا كجمعية بالتعاون مع مركز الشرطة في إلزام الكفيل بدفع ما تستحقه نظير إجازاتها السنوية، ومكافأة نهاية الخدمة بحسب ما ينص قانون العمل المعدَّل للعام 2012».

وتوضح أن الكفيل ظل «يماطل حتى يئست سي تي القلقة على والدتها، وقررت التخلي عن حقوقها وأي تعويضات مقابل سنوات العمل القسرية الأربع الإضافية. وسافرت بعد أن حصلت على وثيقة سفر لمرة واحدة (استصدرتها لها الجمعية) تاركة خلفها رواتب سبعة أشهر على الأقل، وبالطبع من دون تعويض لجبر الضرر النفسي.

وتشير تقارير سنوية لجمعية حماية العمال الوافدين، والتي كانت تُعَدُّ أحد الملاذات الرئيسية للعمالة المنزلية المتضررة منذ تأسيسها العام 2005، إلى أن احتجاز العاملات لمنعهن من العودة إلى بلادهن و/ أو الامتناع عن دفع الرواتب، يشكلان الجزء الأكبر من قضايا عاملات وعمال المنازل. وكان بالإمكان تحويل بعض هذه الشكاوى إلى قضايا تعالج تحت قانون منع الاتجار بالبشر بحسب محامين، لولا الثغرات.

وبيّن التقرير السنوي للعام 2015 أن45 % و37 % من عاملات المنازل اللاتي لجأن للجمعية في العامين 2013 و2014 تباعاً أي ما يعادل نحو مئة حالة في العامين، كُنَّ متضررات من حجز رواتبهن لمدد تتراوح ما بين عدة أشهر و15 عاماً. وتوزّعت القضايا الأخرى ما بين التعرض للأذى الجسدي، والنفسي، والاغتصاب، والحرمان من الوجبات، والرعاية الصحية.


                                      جدول (2): شكاوى سجلتها الجمعية عامي 2013 و2014

عقدان من العبودية

بيد أن المدة التي قضتها سي تي، وهي تعمل قسراً، قصيرة نسبياً مقارنة بقصة العاملة الهندية آكانا ساتيواتي، والتي قضت 21 عاماً دون أن تغادر منزل الأسرة التي تعمل لديها، ودون الحصول على أي إجازة سنوية. كما لم يجدد جوازها طيلة مدة بقائها، ولم تجدد إقامتها، ولم تعرف عنها سفارة بلادها شيئاً.

كان رب الأسرة يردّ طلبها بالسفر في كل مرة قائلاً إنه لا يملك ثمن التذكرة، بحسب إفادة ساتيواتي المسجلة في ملفات جمعية حماية العمال الوافدين والتي تولّت متابعة حالتها وتسويتها.

جاءت ساتيواتي إلى البحرين العام 1994 وعمرها 41 عاماً، وغادرت المنامة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2012 بعد شهرين من هروبها من منزل الأسرة وعمرها 62 عاماً، غير مكترثة بمستحقاتها المالية التي لم تتسلّمها عن آخر عامين. ورفضت إجراء عملية فتق في البطن، كل ما طلبته: العودة إلى قريتها جوندي، لتعيش بقية حياتها مع أبنائها الخمسة. ما كانت تستحقه ساتيواتي من مرتبات عامين لم تسدد تعادل 1200 دينار، إضافة لتذاكر سفر عن 10 رحلات (تستحق تذكرة مرجعة عن كل عامي عمل) وبدل إجازات بواقع شهر كل عام، ومكافأة نهاية الخدمة وهي نحو 8,000 دولار أميركي.

تدخلت «الجمعية» والسفارة الهندية لتسهيل سفرها إلى الهند لظروفها الصحية، بعد أن أوكلت ابنها لمتابعة الحصول على مستحقاتها المالية.

ويفاقم وضع العاملات في البحرين عدم صدور «العقد الموحد» واعتماده من وزارة العمل بما يتوافق مع صدور «اتفاق العمال المنزليين» رقم (189) للعام 2011 من منظمة العمل الدولية. إذ لايزال يُعمل بتعديل قانون العمل لـ 2012 بإضافة بندين يتعلقان بالعمالة المنزلية، الأول: إلزام صاحب العمل بعقد تحدد فيه ساعات العمل وأوقات الراحة والإجازات. والثاني: الالتزام بدفع الراتب مرة واحدة شهرياً على الأقل. ومع ذلك فمن الصعوبة التفتيش على وضع العاملات بسبب خصوصية وضعهن في المنازل، الأمر الذي يعيق التفتيش والتأكد من تطبيق قوانين العمل التي تغطيهم.

ذلك يعني أن لكل مكتب استقدام العمالة، وعددها نحو 100 مكتب، نسخته الخاصة من العقد الذي يُقرأ على عجل، وفي أحيان يوقّع دون قراءة متمعّنة من قبل طرفيه، بحسب دياز.

ففي عقدي عمل من مكتبين مختلفين تم إبرامهما العام 2015، اطلعت عليهما معدّة التحقيق، لم يتطرق الأول إلى الإجازة السنوية، وحدد إجازة يوم للذهاب إلى الكنيسة، بينما العقد الثاني ذكر حق العاملة في إجازة مدتها 45 يوماً، ولم يحدد إجازة أسبوعية. وكلاهما لم يحدد ساعات العمل اليومي.


                                                     جدول (3) بعض البنود المتشابهة وغير المتشابهة في العقود

حلول

بالرغم من سعي البحرين للريادة خليجياً من ناحية إقرار قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وإنشاء إدارات مكافحة الاتجار بالبشر، وإنشاء المآوي بمواصفات عالمية، وتشكيل اللجان عالية المستوى لتنفيذ القرارات؛ إلا أن قطاع عاملات المنازل سيبقى أصعب قطاع يمكن فيه محاصرة الممارسات غير القانونية التي تواجهها هذه الفئة، بسبب الخصوصية التي تحتمي وراءها البيوت، فيصعب إجراء التفتيش الدوري أو المباغت. كما أن طبيعة عمل العاملات المقيمات مع الأسر يجعلهن خاضعات كل الوقت تحت أمر أرباب الأسر.

ومع ذلك، فإنّ استمرارية حاجة المجتمع لهذه الفئة، التي تضاعفت خلال السنوات الخمس الأخيرة لتعادل نحو 10 % من عدد سكان البحرين، تحتم وجود مبادرات جادة وممارسات صارمة لخلق بيئة عمل إنسانية لائقة لها. ولذلك فلا بد من استكمال الخطوات التشريعية والإجرائية التي وُضعت أطرها بتطبيق صارم.

وهذا لن يتحقق إلا بوضع استراتيجية شاملة لأطراف العلاقة الثلاثة وهي: الجهات الحكومية باستكمال التشريعات المتعلقة بالعقود التي تحكم العلاقة بين طرفي العمل، والعمل على بناء القدرات المهنية للعاملين في الأجهزة المختلفة وتدريبها للتعامل مع الحالات لتوجيهها إلى الجهة القضائية المناسبة.

أمّا الطرف الأخير فهو العمالة الأجنبية نفسها، التي هي بحاجة إلى توعية بحقوقها وواجباتها أيضاً، وعدم السماح لها بالدخول إلى سوق العمل قبل اجتيازها محاضرة توعية بلغتها الأم، وتزويدها بالرقم الساخن الذي أطلق حديثاً في حال تعرضها لأي انتهاك لحقوقها كما يتم تعريفها. كما أن تشديد العقوبات على المخالفين من أصحاب العمل من شأنه أن يرفع المجتمع.

أما الإطار الأشمل في هذه الاستراتيجية فهو بناء ثقافة مجتمعية تقوم على احترام إنسانية العمالة بشكل عام وعمالة المنازل بشكل خاص لطبيعة عملهم المنفصلة عن العالم الخارجي، وتغيير نظرة السخرة للعمالة المنزلية تحديداً. وهذه الاستراتيجية يتم تنفيذها بحملات توعوية في وسائل الإعلام وبرامج لتوعية الأجيال الصغيرة في المدارس والجامعات وقد بدأت هيئة سوق العمل منذ العام الماضي بإطلاق جائزة للوعي المجتمعي تمنحها لأفضل عمل مُعبّر عن أهمية احترام العمالة الأجنبية. كما تقوم جمعية حماية العمال الوافدين بإلقاء محاضرات في المدارس والجامعات.

المصدر: (الوسط)