حكومات عربية في خدمة الصهيونية

بالعربي_كتب: عبد الفتاح ماضي 

شهد مؤتمر هرتسيليا للدراسات السياسية والإستراتيجية في دورته ال16، والذي تناول التحديات الأمنية والسياسية لدولة الإحتلال في ظل المتغييرات الإقليمية في شرق أوسط غير مستقر، مشاركة عربية غير مسبوقة.
وكعادة الحكومات العربية منذ أن بدأ هذا المؤتمر دوراته عام 2000 لم نسمع أي تعليق أو رد على الأفكار والمخططات والاستراتيجيات التي تشهدها جلسات المؤتمر والتي يحضرها عادة عشرات من المسؤولين وأساتذة الجامعات والخبراء السياسيين والعسكريين والاقتصاديين "الإسرائيليين" من كافة التخصصات والتيارات السياسية بجانب خبراء وأساتذة ومسؤولين من الغرب. وهذا العام حضر خبيران من الصين أيضا.
أثناء الحرب الباردة مثلا لم يحدث أن حضر مسؤولون أمريكيون أو فرنسيون أو بريطانيون مؤتمرا سوفيتيا هدفه مناقشة المخاطر التي يتعرض لها الإتحاد السوفيتي والتي كان مصدرها الغرب في الأساس، ولم يحدث أن حضر مسؤولون روس مؤتمرا أمريكيا يناقش كيفية مواجهة المخاطر الشيوعية. فهذا النوع من المؤتمرات يحضرها الحلفاء والأصدقاء فقط.
الحكومات العربية فعلت هذا وكأن مصادر الخطر على دولة الاحتلال تأتي من أدغال أفريقيا أو جزر الكاريبي! فقد شهد مؤتمر هرتسيليا هذا العام حضور سفيري الأردن (وليد عبيدات) ومصر (حازم خيرت) ومسؤولين من منظمة التحرير الفلسطينية (أحمد مجدلاني وإلياس زنانيري) ورئيس مركز بروكينغز فرع قطر السابق (سلمان الشيخ) وأستاذ جامعي أردني (رياض الخوري)، اضافة الى عدد من رؤساء البلديات الداخل 48. والأعجب من كل هذه الأسماء كان تواجد أحد مسؤولي الجيش الحر السوري المنشق عن جيش الأسد (واسمه عصام زيتون).
وجود ممثلين لحكومات عربية هو تأكيد لما هو معروف وهو أن هذه الحكومات لا ترى في دولة الاحتلال خصما أو مصدرا محتملا للتهديد والمخاطر كما تفعل دولة الاحتلال ذاتها تجاه الدول العربية كلها سواء من وقع منها اتفاقيات تسوية أو تلك التي لم توقع.
وجود ممثلين لحكومات عربية ليس مجرد تطبيع بين حكوماتهم وحكومة الاحتلال فقد تجاوزت هذه الحكومات مرحلة التطبيع إلى مرحلة التسليم التام لرؤى واستراتيجيات دولة الاحتلال، واسقاطها كل أوراق الدفاع عن الحقوق العربية الفلسطينية، بل ودخولها في تحالف ضد عدو ينظر إليه على أنه عدو مشترك وهو الإرهاب وكذلك أي حكومات منتخبة تأتي بإرادة شعبية حقيقية. ولا يغير هذه الحقيقة “تشكيك” مسؤول منظمة التحرير في نيات حكومة "إسرائيل" بشأن السلام، ولا وصفه هذه الحكومة بأنها “الأكثر تطرفا وإنها تنحى نحو الفاشية”.
حسب أجندة المؤتمر تواجد سفيرا الأردن ومصر في جلسة عمل باليوم الأخير عنوانها “آفاق حل إقليمي بين "إسرائيل" والدول العربية والفلسطينيين” بالتعاون مع ما يعرف “بمبادرة السلام "الإسرائيلية"” وهي مبادرة ظهرت في أعقاب ظهور المبادرة العربية للسلام لتقدم بديلا "إسرائيليا" عن هذه الأخيرة بعد اسقاط حق العودة وتقسيم القدس وتعديل الحدود. هذه الجلسة استهلها رئيس هذه المبادرة "الإسرائيلية" بكلمات افتتاحية، ثم أدارتها صحفية "إسرائيلية" هي محررة قسم الشرق الأوسط بجريدة يديعوت احرانوت، لكن المهم هو أنه لم يحضر هذه الجلسة أي مسؤول أو خبير "إسرائيلي" حيث حضرها فقط أحد الباحثين الأميريكيين والسفيران الأردني والمصري والصحفي الفلسطيني إلياس زنانيري الذي عمل في السابق مستشارا إعلاميا لكل من محمود عباس ومحمد دحلان.
لا شك أن السفيرين العربيين تحدثا عن المبادرة العربية لكن ليس مهمة الحكومات العربية تكرار التأكيد على التمسك بهذه المبادرة منذ 14 عاما بينما بقية جلسات المؤتمر تتحدث عن وضع إقليمي جديد تقوده دولة الاحتلال وتحدد فيه مخاطر الخطر وتضع الاستراتيجيات لمواجهة هذا الخطر وإعادة رسم المنطقة كلها دون أن يشتبك الممثلون العرب مع هذه الأمور استنادا إلى مصالح عربية محددة.
فرئيس المخابرات العسكرية "الإسرائيلي" هرتسل هليفي يحدد في المؤتمر المعسكرين الرئيسيين في المنطقة وهما إيران الشيعية التي حصلت على شرعية دولية بعد اتفاقها النووي مع الغرب من جهة والبلدان السنية “البرغماتية” التي تقودها السعودية، التي بدأت مصالحا تتماشى وبشكل متزايد مع المصالح "الإسرائيلية" كما قال من جهة أخرى.
يرى هليفي أيضا أن “"إسرائيل" هي الدولة الأقوى عسكريا في الشرق الأوسط، لكنها لم تعد تواجه جيوشا نظامية بل منظمات إرهابية، الأمر الذي يجعل إحراز انتصار أمامها أمرا أكثر تعقيدا”. أما في شأن سوريا فيرى “إن أسوأ نهاية ممكنة للصراع في سوريا بالنسبة "إسرائيل" هي اندحار تنظيم الدولة وانحسار رقعة نفوذه وتأثيره وترك الدول العظمى للمنطقة وبقاء المحور الرديكالي المتمثل بإيران وحزب الله”.
أما دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية "الإسرائيلية" والمستشار السياسي لرئيس الحكومة "الإسرائيلية"، فقال في مداخلته بالمؤتمر أنه توجد “"إسرائيل" علاقات سرية مع دول عربية”، معتبرا أن القضية الفلسطينية لم تعد تحتل مكانة عليا في أولويات هذه الدول. وقال إنه ‘تجري مياه ساخنة كثيرة تحت الجليد’. ونقل عن غولد قوله أنه ‘قبل 20 أو 30 عاما قالت الدول العربية ’اصنعوا سلاما مع الفلسطينيين، وسنصنع سلاما معكم’. والوضع اليوم مختلف’ مشيرا إلى أن ‘دولا عربية سنية’ تقيم علاقات مع "إسرائيل" ، وأن هذه العلاقات تتمحور حول ‘تطلعات مشتركة ومطالب مشتركة’.
لم نسمع من العرب الذين حضروا المؤتمر أو لم يحضروا أي تعليق على هذا الكلام ولن نسمع لأن هذا هو حالهم دوما إزاء كل التصريحات "الإسرائيلية" المشابهة التي تخرج في هذه المؤتمرات أو غيرها من المناسبات.
لقد صارت دولة الاحتلال هي التي تحدد المصالح العربية المشتركة، ولدينا الآن ثلاث مصالح على الأقل، هي باختصار: الأولى محاربة الإرهاب الذي يستخدم كأداة لإجهاض مطالب الثورات العربية وتبرير أنظمة القمع والإقصاء، وظهر جليا أن القضاء على الإرهاب كارثة للـ "إسرائيليين" كما يفهم من كلام هليفي، والثانية إشعال صراع طائفي بين السنة والشيعة تتحالف فيه الحكومات السنية مع "الإسرائيليين" والذي لن ينتهي إلا بالإجهاز على ما تبقى من جيوش بالمنطقة لتتحقق السيطرة "الإسرائيلية" التامة، والثالثة إعادة التأكيد على المبادرة العربية للسلام وهذا موجه لإلهاء الرأي العام العربي وإظهار الحكومات العربية في مظهر المدافع عن الحقوق العربية.