رغد الطفلة.. حارسة حلم أمها الشهيدة

بالعربي- كتبت رولا حسنين :

خرجت من البيت وألقت عليهم كلمات الوداع للقاء قريب، لا كلمات الرحيل الأبدي، نظرت إليهم وهم في نوم عميق، ألقت عليهم محبة منها، وغمرتهم حناناً وأسدلت جفونها على عيناها لتحتفظ بصورتهم، ويكونوا آخر ما تراه قبل خروجها من منزلها، خرجت لتعود، ولكن الاحتلال المتجبر يصرّ دائماً على أن يصنع للشعب الفلسطيني مآسي دهر لا ينساها، يصرّ على أن ينغصّ على النساء والرجال والأطفال والرضع عيشهم في وطنهم.

خرجت الشهيدة أماني سباتين (34 عاماً) من منزلها في قرية حوسان جنوب بيت لحم، صباح اليوم، استقلت سيارتها، سلكت طريقاً كانت تظن أنها ستسلكه مرة أخرى عائدة الى بيتها وأطفالها الأربعة، فأطلق عليها جنود الاحتلال رصاصات ارتقت على اثرها شهيدة، بزعم تنفيذها عملية دهس على مفرق "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم، فلم تكن تعلم أنها ستسلكه مرة واحدة في آخر لحظات عيشها، ومرة أخيرة بعد موتها حين يُذهبون بجثمانها الى أطفالها لنظرة وداع أخيرة من قلوبهم الصغيرة التي لا تحتمل الفراق المفاجئ، أطفالها الذين استيقظوا صباحاً ولم يجدوها فسمعوا نبأ استشهادها على التلفاز.

في وطني، رأينا الأم تودع ابنها شهيداً، تلقي عليه كلمات الانتحاب وهي لا تصدق رحيله، الأم التي تدرك على كبرها أن الحياة يتبعها موت، ولكنها لا تصدق أن لن ترى ابنها بعد استشهاده، فكيف بحال أطفال الشهيدة أماني، مَن سيفهمهم أن أمهم لن تعود بعد اليوم، مَن سيخبرهم أن الاحتلال سرق وطنهم الأم، وسرق قلوبهم على صغرهم، مَن سيُفهم أطفال الشهيدة أماني أن لا قبلة صحوة ولا قبلة نوم ولا قصص خيالية قبل النوم ولا فطور صباحي ولباس مدرسي بعد اليوم.

رغد (16 عاماً) الابنة الكبرى لأماني رغم صغر سنوات عمرها، إلا أنها ستصبح بعد اليوم حارسة البيت وربّته خلفاً لأمها الشهيدة، ستكبر بمسؤولياتها، يتيمة ترعى إخوتها الأيتام ليكونوا رجالاً كما كانت تحلم أمهم أن تراهم،اليوم الأنظار كلها تتجه على رغد وإخوتها شريف ومعتز ابن الستة أعوام، يحملون صور أمهم الشهيدة أماني، سيطبطب على أكتافهم الناس أيام معدودة، سيقولون لهم "أمكم ذهبت الى الجنة" وفي قاموس الأطفال الجنة هي أمهاتهم، حيث الدفء والأمان والراحة والاطمئنان والبسمة والقلب الحاني، أيام معدودات وسيفرغ الأطفال الى أسرتهم وحدهم، ينامون على صوت بكائهم، يخنقهم فراق أمهم، سيزورهم الحنين كل ثانية، وإذا قابلوا أمهم سيقابلونها حلماً جميلاً، يعبس له الواقع المرير، يعبس له رصاصة حقد أطلقها الاحتلال على أمهم وحرمها إياهم وحرمهم منها، سينام الأطفال بعد اليوم مثقلين بالوداع، لن يتذكروا أمهم سوى في آخر كلمة وقبلة قالتها لهم، سيكبرون غداً إن لم تصبهم رصاصات الاحتلال هم أيضاً، سيكبرون ويدركون الثأر.