لماذا ترفضين الزواج؟ توقفوا عن طرح السؤال الخاطىء!

بالعربي- ريهام دعباس:

 يعرض لي هذا السؤال خلال الأسبوع الواحد  مرات ومرات، أحياناً بصيغة سؤال وأحياناً بجملة خبرية تحمل إهانات مبطنة وأحياناً صريحة من كثيرين.

كل يلومني وكل يحاول فرض العلاج لمشكلة لا أراها.  في بادئ الأمر كان الموضوع بحد ذاته يثير حَنقي و غضبي، و تجدني بدأت بدفاع  يوحي لمن هو أمامي أني مذنبة و علي أن أقنعه بأسبابي و دوافعي لاقتراف هذا  الجرم الرهيب الذي لا يغتفر.

بعدها بوهلة، بدأت أشعر بأنني لست مذنبة،  أنا لست في محكمة، و لكن مجتمعنا يميل الى اشعاري بأنني كذلك، توقفت عن  أسلوب الدفاع و صرت أقابل هذا السؤال بالصمت أو ابتسامة و إيماءة، أنا ومنذ اليوم لن أجيب عن سؤال خاطىء بصيغة " لماذا ترفضين الزواج؟"، ما هو  السؤال الصحيح ؟ لا أعرف، و لكنني أعي شيئين: أن هذا السؤال خاطئ و مغلوط  الصياغة، و أن هذا السؤال و أياً كانت صلتك بتلك الأنثى التي تطرحه عليها  هو سؤال ليس من حقك طرحه، ناهيك عن حقك في الحصول على إجابته.

وجهة نظر تعكس رأي الكاتبة و ربما أخريات: ما السن الملائم لزواج الفتاة؟

لا  أعتقد أن العمر كرقم يلعب دوراً جازماً، بل الموضوع نسبي، فمن الفتيات من  ينضج عقلها في سن ال ١٨، و منهم من لا تنضج قبل الثلاثين، و لا أعني بالنضج  هنا النضج الجسدي كما لا أعني به ما نسميه في قاموسنا المجتمعي ب " الركوز  و الرصانة"، بل أعني به قدرتها على مواجهة مشاكل الحياة بعقلانية، قدرتها  على التصرف دون الحاجة لمرجع أخر، استقلاليتها الثمينة التي سوف تجعلها  نداً و في ذات الوقد سنداً لذاك الرجل. أعني به قدرتها على اتخاذ القرارات،  أعني به استقلاليتها المادية. أعني به قدرتها على انشاء حوار بناء في آخر  النهار مع ذاك الرجل، وجود أرض مشتركة تمكنهما من مناقشة أفكار و رؤى، لا  أحداث و بشر. أعني بها، قدرتها على أن تكون جزءاً في علاج لمشاكل رفيق  الدرب سواء بحلول فعلية أو بصمت مريح دافىء، لا عبئاً عليه.

ما مواصفات رجل الأحلام الذي تنتظره الفتاة التي تتأخر بالزواج؟

أولاً  أود أن أبدي امتعاضي المتواضع من هذا المصطلح " رجل الأحلام"، انه مصطلح  يوحي بمجموعة من الأشياء: وجود غاية ما نحلم فيها باستمرار و هي هنا "  الرجل"، و الشيء الثاني وجود ذاك الكائن الكامل الذي لا مثيل له في رجل ما،  أما الشيئ الثالث فهو أن هذا الرجل هو أهم أحلام تلك الفتاة. عزيزتي  القارئة، لا يوجد انسان مهما أحببناه خالٍ من العيوب، لا يوجد رجل سوف يأتي  ليمثل الحل السحري لكافة مشاكلك، لا يوجد رجل سوف يملأ فراغاً تشعرين به  من الداخل كل يوم. أنت كيان مختلف مستقل و مميز، و هو كذلك أياً كان و في  أي مكان كان هو كائن مميز، لهذا سوف تختارينه دوناً عن آخرين كثر. كونوا  على ثقة أنني و كثيرات مثلي لا يوجد لدينا رسم لملامح ذاك الشخص الذي نرغب  أن نشاركه الحياة، و لكن لدينا تصور ما عن تفكيره، عن حواراتنا النهارية و  حوارات ما قبل النوم، عن تصرفاته في مواقف معينة، عن ردود افعاله في مواقف  معينة. كم من وجه اضمحل جماله عندما بدأت الشفاه بالحراك. لا مواصفات هناك،  فقط تصور عن روح لم نجدها حولنا بعد.
الزواج: ضمان اجتماعي و شبكة أمان؟

لمَ  يبدو الزواج كأنه شبكة الأمان للفتيات في مجتمعاتنا؟ ألم نحصل على هذه  الشبكة فعلاً؟ كل منا لها عائلة تحبها أكثر من نفسها، كل منا لديها عائلة  لم يكن بالنسبة لديها التعليم العالي لابنتها قراراً بل كان أمراً من  المسلمات. أليست هذه شبكة أمان؟
يقولون  :"الزواج أمر آخر" ….  أجيب: "لا, الزواج لن يحميني، عائلتي فعلت ذلك و  أجادت، علمتني و أجادت، سلحتني بشهادة جامعية و أجادت." يقولون: "و لكن  عائلتك لن تدوم لك، والدك والدتك لن يدوما لك". أجيب:"فعلاً كما قد لا يدوم  الزوج، فكم من فتاة رحل زوجها، أو توفاه الله، أ عادت إلى بيت أهلها  مطلقة؟". يقولون:" حالات قليلة". أقول:" لست في صدد توفير أرقام، ما أريده  فقط أن تتركوا هذه الترتيبات للقدر و لا تقعوا في مقارنات لا منطقية و لا  منصفة".
تقليدي أم عن حب؟

كل  فتاة تنتظر الشخص المناسب لها و الذي قد يأتي من هذه الطريق أو تلك. ربما  لا أؤمن بالتقليدي، و لكنني كذلك لا أومن بعلاقات الحب العاصفة. و لكي لا  نقع في فخ التعميم. دعوني أعبر عن ما يعتمل في صدري في هذين الاتجاهين:
التقليدي:  أو زواج الصالونات كما يسميه البعض، هو بيئة ملائمة لكي يخفي الإثنان ما  يريدان من عيوب، حيث يظهر كل منهما أفضل ما لديه، ليصل إلى نتيجة محددة و  هي الزواج. عندما تضع بضعة ممثلين على خشبة المسرح فلن يستطيعا إلا أن  يمثلا النصوص لأن الجماهير تريد تمثيلهما و سوف تصفق لهما على ذلك، الجمهور  دفع ليرى التمثيل الجميل على المسرح، أما ماذا يحصل في الكواليس فهو ليس  مهماً.

عن حب: ما هو  الحب؟ أهو ذلك الذي قرأناه في الروايات؟ أم ذاك الحب الصامت الذي نشاهده  بين أبوين انتابهما الكبر فاعتنى أحدهما بالآخر بكل إخلاص؟ أم ذلك الحب  الذي نراه في أكلة أعدتها يد أم لأطفالها و زوجها بعد يوم شاق؟ أيعرف أي  منا ما هو ذاك الحب؟  أنا شخصياً لا أعرف، لا أنكر أنني أبحث عنه، لكنني لا  أعرف له شكلاً بعد.
الطريقة الجيدة من وجهة نظري:  شخصان التقيا في ظروف عمل، في رحلة ، في ، في ، في … شيء عفوي لم يكتب له  أحد نصاً، ليتعرفا على بعض في إطار قد يبدأ بنية صداقة أو أمور مشتركة، في  أطر تعري شخصياتهما لأن لا مسرح يفرض عليهما شيئاً و لا جمهور ينتظر منهما  شيئاً، و قد يحدث بعد ذلك شيء ما.
إذاً، لم ترفضين الزواج؟

أنا  و كثيرات مثلي لا نرفض الزواج كفكرة أو كيان، ربما نناقض أنفسنا أحياناً، و  لكننا لا نرفضه بالمطلق، من منا يرغب بأن ينتهي به العمر وحيداً؟ أكاد  أجزم و أقول لا أحد. و لكن الزواج مؤسسة مقدسة، قرار مصيري يأخذه  شخصان  ليبدآ بعدها علاقة جميلة يعيدا فيها تكوين أجمل معجزات الوجود، إعطاء  الحياة لشخص آخر. و بينما قد يأتي هذا الشخص باكراً، هو أيضاً قد يتأخر و  قد لا يأتي أبداً. أنا لا أرفض الزواج و لكن أكره أن أشعر أنه امتحان علي  اجتيازه لأعطي للآخرين مصداقية لكياني. كما أنني أعشق الانتظار، أين المتعة  في انهاء سنين من الانتظار لحدث مصيري لمجرد أن مجتمعك يقول لك ذلك؟  المتعة كل المتعة هي في انتظار ذلك الشخص، في انتظار تلك البداية، في عيش  تفاصيل القصة التي سوف توحد كيانين. أعتذر، و لكنني لن أتخلى عن ذاك الشعور  الجميل، لن أتخلى عن الطريق التي سوف تقودني لقصتي.
نعم هناك حالات كثيرة كان فيها لازواج تقليدياً و نجح،
نعم، نسبة كبيرة من آبائنا و أمهاتنا تزوجوا بتلك الطريقة و نجحوا،
نعم، مجتمعنا زاخر بالحالات التي فشلت فيها قصص الحب مقابل قصص الزواج التقليدي  و العكس صحيح،
المعنى؟

لا  تعمموا، و لا تحكموا، و لا تشعروها أنها وحيدة، لا تحدوا من طموحاتها.  الزواج نصيب، و نصيب كثيرات مثلي لم يأتِ بعد و لكن كونه لم يأت لا يقلل  شيئاً من أنوثتها و كيانها و كونها عضواً فعالاً في مجتمعها. نعم أتمنى  وجود شريك حياة معي، لا لا أحب وحدتي في أحيانٍ كثيرة، و لكن عدم وجوده لا  يعني لحياتي أن تقف، عدم وجوده لا يجعلني مخطئة أو مصيبة أو موضع اتهام. هو  هكذا و كفى و بالفلسطيني " هو هيك و خلص".

متى  سوف تنهين عزوبيتك؟ في الوقت المناسب. و متى يأتي ذاك الوقت؟ عندما يأتي  ذلك الوقت. ألا تشعرين بالنقص؟ و من منا يشعر بالكمال أبداً في هذه الحياة.  ألا تشعرين بأنك كبرتي؟ لست أنا من كان لي القول الفصل في متى كان يجب عليي  أن آتي و لا أدري متى عليي أن أرحل، و لكن لي روحاً لا تكبر بل تزداد  جنوناً و حرية و حكمة.