مهند حلبي .. الفكرة

بالعربي: : كتب طارق عسراوي.

حينَ سطع اسم مهند حلبي في سماء البلاد، وأصبح حديث الكلّ الفلسطيني، كان صاحب الاسم قد ارتقى إلى جوار ربّه، وَمَن سبقه من الشهداء.

سار مهند على نصل السكّين ، في سبيل الحريّة المتحققة، كما سار الفلسطيني على صراط الحدّ المتوهّج ، في سعيه الحاسم للخلاص من آخر احتلالات الأرض وظلمها.

ووكالات الأنباء عندما تناولت ،مؤخراً ، تاريخ عمليات الطعن ، وثّقت الصورة الأولى لعملية مشابهة في القدس ، وقعت   في ٣٠/١١/ ١٩٤٧ أيام الحراك المناهض لقرار التقسيم الظالم والصادر في ذلك العام .. غير أنّ مهنّد، طالب كليّة الحقوق ، أعاد للخنجر ، الذي يشبه خارطة فلسطين، لمعانه ، وشحذه ، ليضيء بمفردات العدل والإنصاف، وكأن الشهيد عرف ، مبكّراً ، بحدس المحامي ، أن مرافعته الأخيرة ستكون فارقة، لتتكئ الضحيّة على أسبابها وبراهينها العادلة، ولذا أعدّها جيداً، وأحكم أسانيدها، فكانت واضحةً بليغة ولامعةَ مصقولة، وحَقَّ  له اعتبار أن يكون مفجّر هذه الإنتفاضة العصيّة ، وعلى نهجه سارت خطى رفاقه اللاحقين ،  وكما يُقال في مهنته، فقد كانت مَشْقَة يده حُكماً مبرماً وحجّيّة كاشفة لأصل الحق الذي لا يتقادم.

في مشهد آخر؛ سجّلت فيه جنازته مشهداً مهيبًا، تجلّت فيه الوحدة الوطنية المركونة منذ زمن، وبدا الشارع الفلسطينيّ منسجماً متماهياً ،يترسّم حيث سار مع الرايات خلف النعش، تحت العلم الواحد، لم تعلُ فيها راية فصيلٍ على أخرى، ولم ترتفع أيٌّ منها فوق ألوان العلم الجامع. وقد تضفّرّ الهتافُ الجارح في حناجر المشيّعين ،على تعدد انتماءاتهم ،في رعد واحد، ارتفعت على إثره لغة التأبين عالياً،  وأيقن المشيّعون بأن الشقائق ، بديعة الدم ،قد انفجرت بفطرتها على جنبات الضريح .

ويوم أمس، أو الأوّل منه ، وكما فعل مخيّم شعفاط ونابلس قبل رام الله، تجلّى بعد هدم منزل عائلة الشهيد مهند ، التعاضد والتكافل بين الأهل والنَّاس وتكاتف الجميع في إطلاق حملة تهدف لإعادة إعمار منزل عائلة الشهيد، ليبرهن الفلسطيني مجدداً بأنه الجسد المتعافي، والقادر على استجماع أصالته وترجمتها ، لأنّ الخير باقٍ في هذه الأمة إلى يوم الدين . فثمة صندوقٌ للمساهمة في جامعة بيرزيت، وآخر في ميدان ياسر عرفات، وصندوق دعت إليه نقابة المحامين وآخر في المخيّم والقرية ..الخ، وما ذلك إلا سلوك شريف متأصّل في الفلسطيني ،تعلّمه جيداً في مدرسة الثورة والإنتفاضات العبقرية المتعاقبة.

منزل الشهيد، شَمَخت ، مرّة أخرى، وحدة الفلسطيني رغم التشظّي والفرقة البائسة، وقدّمت نموذجاً للناس وردّاً واضحاً، لا يقبل التأويل، بأن وجود الإحتلال وجرائمه لن تفتّ في ساعد يصعد للسماء.. ولعلنا نردّد خلف الشهيد : إهدموا بآلةِ يأسِكم وخوفكم، لأننا سنبني بيد الأمل وثقافة الحياة.

ولأن تجمّع الصوت في جملة واحده، يجعل منها صيحةً بارقةً، لامعة،لا تقفُ عند ركام بيتٍ واحد، سيسجّل لمهنّد مرّة أخرى، أن تمتدّ يَدُ التعمير لتطال كلّ البيوت المهدومة ولن تقتصر على منزله لوحده، وحينها سيكونُ صوت آليات الهدم الآثم في كل البلاد، صوتاً مرتجفاً وخافت.