جنين رام الله وبالعكس: "سالكة" حتى الجلزون!

بالعربي: كتبت: رحمة حجة

لا فرق في أن تغادر بيتك من إحدى قرى جنوب غرب جنين إلى رام الله، تمام الساعة السادسة أو السادسة والنصف صباحًا. أزمة "الجلزون" بانتظارك!

منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، تغلق سلطة الاحتلال "الإسرائيلي" حاجز "بيت إيل"، ويُعتبر أحد مداخل مدينة رام الله الثلاثة، بالنسبة للقادمين إليها من شمال الضفة ومن القدس أيضًا، وفي إغلاقه، يبقى مدخلها من جهة مخيم الجلزون (شمالًا) ومن جهة بلدة بيرزيت (شمال غرب). حيث ينتقل الثقلُ إليهما، وكلاهما بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحًا، يشهدان أزمة سير كبيرة.

ومنذ ذلك الوقت أيضًا، طريق "يتسهار" جنوب نابلس مفتوحة، ولا نمرّ عبر نابلس كما الأسابيع الأولى من شهر تشرين أول (أكتوبر)، ولا يتم توقيفنا عند حاجز "زعترة" جنوب نابلس، أي أن الطريق "سالكة" مع بعض احتمالات التأخير التي تظهر حين رؤية بعض جنود الاحتلال المتناثرين هنا وهناك، وما إن نقترب من "عين سينيا (شمال رام الله)، حتى نتوقف، لأن آثار الأزمة وصلت إلينا، مارةً بمئات السيارات.

في هذه الأزمة، جربتُ السفر مع أربعة مركبات خاصّة تُقل موظفين مثلي من رام الله إلى جنين، ليتنوع التعامل مع هذه الأزمة، من تجاوز المركبات أو الصبر أو الذهول حين تشاهد أمامك ثلاثة طوابير من المركبات العامة والخاصّة، الخفيفة والثقيلة، والمأزق الذي تقع فيه نظيرتها الخارجة من رام الله، إلى أن بدأت شرطة المرور تتواجد في الأسبوع الثاني من الأزمة، وتمنع التجاوزات وتنظم سير المركبات، الشيء الذي لم يمنع ثلاثة حوادث سير وقعت معًا، قرب بوابة مخيم الجلزون، حيث رأينا المركبات المتأثرة وأصحابها يقفون خارجها، لنتأخر في ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى.

في الأزمة، يروق لي تفحص أنواع المركبات الخاصة التي تدخل رام الله، من أبهظها ثمنًا ورفاهية ومسيلًا للُعاب الأحلام، حتى أكثرها بؤسًا، التي تشعر كأنها علبة "سردين" يلتصق ركابها ببعضهم التصاقًا، لكن حكمةً كونية جمعتها كلّها في هذه الأزمة، ولو لم يعان كل الناس بالمثل تحت الاحتلال، فإن عقارب ساعاتهم التي تمشي ببطء الآن، واحدة.

كما أنك تستطيع ملاحظة امتلاء معظم المركبات الخاصة، الشيء الذي يُحيلكَ إلى تأويلٍ واحد، لو كنتَ في إحداها، أنها باتت حلًا لشعب الموظفين بعيدًا عن وسائط النقل العمومي، التي تعتبر أكثر كُلفة.

والمُفارِق أن حاجز "بيت إيل"، الذي كان يفتح بواباته فقط لحاملي بطاقات "VIP" عند الخروج والدخول، ومنذ فترة ليست وجيزة صار دخول رام الله عبره غير مرتبط بأي بطاقة، نَقل بإغلاقه، الجميعَ، إلى مشهدٍ مُغاير، حيث يقفون على حافة المنحدر الذي يُطلّ على المخيم المكتظ مبانيًا وخزانات المياه السوداء، ومدرسة وكالة الغوث التي تقع على اليسار منهم عند مدخله، وجسر المشاة المدعوم من وكالة التنمية الأميركية "يو اس ايد" أعلاهم، ثم إلى اليسار أيضًا جدار الضم والتوسع الذي لا يمنع عنّا رؤية مستوطنة بيت إيل الجاثمة التي تجثم على أنفاسنا كلمّا مررنا عنها.

مخيم الجلزون نفسه (25 كلم مربع)، أصبح حلًا أيضًا، واتبعناه بدورنا، فقبل الأزمة، نتوجه إلى بلدة جفنا (شمالًا) ثم نلج إلى الجلزون، لنخلق أزمة مصغرّة داخله. تمشي السيارة بطيئة حذرة على أحد شوارع المخيم (9184 نسمة، 2013)، الذي يشبه أي زقاق فيه، لكن لا يشبه نظيريه من شوارع المدن والبلدات المرصوفة والمعبدّة بمعونات أوروبية وأميركية.

على جانبينا المنازل المتلاصقة، حبلٌ غسيل هنا، أطفال يلعبون في مساحة مفتوحة محاطة بـ"شيك" يبدو أنها ساحة روضة، هناك، لكنها ليست ساحة بالمعنى الذي يفهمه البعض، هي مجرد "برندة" لا ألعاب فيها. كتابات تغزو جميع الجدران، ومحاولات لقتل الرتابة عبر طلاء أخضر وأزرق بعيدًا عن الرمادي والأبيض، ووجه الشهيد الفتى ليث الخالدي في مطبوعات جدارية.. يقول محدثنا إن "اشتعال المخيمات وتأجج الحقد في قلوب أبنائها على العالم خارجه، مبرر.. مبررٌ بكل هذا الحصار".

نخرج من الجلزون كالخارج من عنق زجاجة، لكن مهلًا، لم تنته المصاعب، فهناك طريق التفافي آخر قبل الدخول إلى رام الله عبر مدينة البيرة، تلك الطريق الترابية التي يبدو الحوار بينها ومركبتنا الــ"بيجو" صعبًا للغاية، كما يبدو الحوار بينا وموسيقى مارسيل خليفة المنبعثة من إذاعة محلية أيضًا صعبًا، حين يقول "أنا مدري مش.. أنا مدري شو.. محدا عاجبني.. زهقان وتعبان"، ومرة أخرى نلتقي بالجدار، نمشي يمينه، حتى يُطلّ علم "ميدان فلسطين" ممزقة أطرافه، والأغنية تزداد صخبًا بين الحب والشهداء، ويكمل مارسيل "وحياة اللي ماتوا وبعدن عم بموتوا كمان وحياة الشهدا وحياتك وحياة عيونك.. أنا زعلان، أنا زعلان"!.

(الحياة الجديدة)