منذ أن غنّينا "وين ع رام الله"

بالعربي- كتبت أمل دويكات:

منذ عام 1967 بدأ تحول الأنظار يتجه من العاصمة المحتلة القدس نحو المدينة الجديدة المفتوحة للجميع "رام الله". وفي المخيال الثقافي للكل الفلسطيني باتت أغنية "وين ع رام الله" رمزاً فلكلورياً للفلسطينيين يرددونها في كل المواطن التي تعبر عن تراث الشعب الفلسطيني.

ومنذ ذلك الوقت أصبح لرام الله نسيجها المتجدد يوماً بعد يوم اجتماعياً وثقافياً. فيها مركز القرار السياسي، ولها أجواؤها التي ليست لغيرها من المدن الأخرى.

وفيها يعدّل الفلسطينيون من شتى الأماكن لهجاتهم لتصبح جميعا لهجة واحدة لا نكهة لها، وفيها تحديداً يحاول الفلسطينيون تصنّع أسلوب النمط الواحد المعولم في حياتهم اليوميّة علماً أن رام الله نفسها تعيش اغتراباً عن ذاتها في ظل هذا النمط.

أبناء الشمال والجنوب الفلسطينيين عليهم أن يكثروا من الإنجليزية في رام الله حتى يبدو كل منهم متحضراً يليق بالمدينة وتليق به، علماً أن العاصمة المؤقتة لم تنسلخ بعد من بساطة لغتها الريفية.

منذ أن غنّينا "وين ع رام الله" أصبحت رام الله قِبلتنا الجديدة، الحرب تبدأ من رام الله، والسلام يصنع فيها، الرزق في رام الله، وانقطاع الرزق فيها، الجنون يبدأ من رام الله والعقل يحط فيها.

منذ ذلك الحين، وحّدت المدينة أذواق الجميع، وحّدت شهيتهم للطعام، وحّدت الـ"منيو"، وحّدت اللون، والذوق، عولمت الذائقة، وكأن لكل من فيها شخصيتين منفصمتين.

منذ أن غنّينا "وين ع رام الله" ونحن نشتمها، نتهمها بالقبيح من الأوصاف، ونستعير الألفاظ النابية من قاموس شتم الأعراض ونلصقها بها، علماً أنها لم تخلع ثوبها ولم تنكر أصلها، لكن على نحو ما أُخلعت ثوبها قسراً.

رام الله مدينة تعاني التشظي الذاتي، ولم تصنع رام الله ذلك بيدها، بل صُنع ذلك بها، هي المدينة التي من السهل أن تُرمى بالتخاذل، ومن السهل أن يطأها كل منا لينال حظاً من المال أو المنصب أو العلم ثم يشنع عليها القول.

رام الله وفق المثل الريفي الفلسطيني "مأكولة مذمومة"، نتمترس خلفها ونُسقط عليها أوصافنا ونخلع عليها الرديء من أفعالنا، ونجترح لها أسماءً من بعض خذلاننا لها ولكل فلسطين.   

(الحياة الجديدة)