رفات شهيد

بالعربي-كتب بدر أبو نجم: 

لم أكن أعرف أن رفات الشهيد اذا رجعت بعد سنين إلى أهله، سيكون تاريخ استشهاده هو ذلك اليوم وقد يكون ذلك أمرا سهلا فالعدو ذكي في بعض الأوقات ...فلم يخطر ببالي أن إرجاع تلك الرفات حرقة قلب، وقد يخيل للبعض أن الأمر بالشيء الطبيعي اذا أعادو رفات الشهيد بعد عشر سنين أو أكثر، ولم يخطر ببالهم انه أسوء سلاح يستخدمه أعدائنا لحرقة قلوبنا على االشهيد الذي استشهد شاباً أو طفلاً وارجعوه بعد سنين إلى أمه.

لك أن تتخيل الموقف حينها .

خرجنا من الجامعه يومها لكي نذهب لإستلام الشهداء ومن ضمنهم شهيد قريتي لبيب عازم فهذا واجب على كل فلسطيني، والكل منتظر ... لم أكن قد شعرت ذلك الشعور من قبل حتى وصلت إلى مكان الاستلام ، انتظرنا كثيراً أمام مقر المقاطعة حتى تسنى لنا الدخول نحن وأهالي الشهداء ودخلنا بعد تفتيش دقيق لنا جميعاً.

كان الأمر طبيعي بالنسبه لي حتى تلك اللحظة. ... ولكن عندما دخلت المقاطعة في رام الله رأيت مشهدًا لن أنساه في حياتي ... رأية صفوفا من التوابيت تغطيها أعلام فلسطين وكلاً ورقمه وتاريخ استشهاده واسمه .

أم تحاول أن تبحث من بعيد عن ابنها وتقرأ الاسم المسجل على التابوت في محاولة فاشلة منها وتنتقل من واحدا إلى آخر وتأشر بيدها وتهجي الأسماء وعيونها تنزف بالدموع وتردد إسم ابنها، وتضع يداها على قلبها وتتحسر على هذا الشاب، الذي استشهد في ريعان شبابه

.... لم تستطع قراءة إسم ابنها من بعيد فموعد التسليم لم يحن بعد فهنالك مراسم كثيرة يجب أن تنتهي قبل الإستلام فالكلمات والأغاني الوطنية وغيرها من المراسم ....

على الجانب الآخر أخت لشهيد لم ترى اخاها فهو شهيد قبل ولادتها، رأيت أب الشهيد الملتحي ذات الملابس البسيطة والوجه المليء بالشحوب، فالدهر أكل منه وشرب وعيناه التي تكاد اذا أفرغت دموعها تطفئ ناراً متوهجةً.
ما زلنا ننتظر الدخول وهناك الأمن بيننا وبين رفات الشهداء فالمراسم لم تنتهي بعد وحتى اللحظة ما زال ذلك عادياً ولكن الذي ابكى الجميع وابكاني عندما سمح لأهالي الشهداء بأن يدخلوا ويبحث كل قريب عن شهيده .... رأية الأم التي تصرخ وتنادي أين ابني وهي تبحث بين

التوابيت وتمسك بمن حولها وتساله بالبكاء هل رأية اسم ابني، ولكن المجيب يبحث هو الآخر عن إبنه وغير مبالٍ بالسؤال
....فالناس هناك اندفعوا من شدة الاشتياق لتلك العظام الثمينة .... رأية الأم التي تحتضن تابوت ابنها، وترمي برأسها عليه وتتحدث مع رفات ابنها بصوت هادئ والدموع تنهار من عيناها .

رأيت أب الشهيد الذي كان بجانبي ينتظر في الخارج كيف يملأ الحزن وجهه وعيناه، عندما حمل تابوت ابنة الطفل الشهيد حينها وهو يردد الله أكبر .... مشهدًا كان محزناً جداً فتلك الساحة كانت موقدًا للقلوب حينها .

حملوا جميعاً على الأكتاف وذهبوا بهم كل إلى عائلته وبلدته ومن ثم إلى مرقدهم الأخير .......