من الممر البري الى الممر البحري: الطريق بين اوسلو"1" واوسلو"2"

بالعربي_كتبت وكالة وطن للأنباء :  لعل أكثر ما همش خلال كل المفاوضات لتطبيق أعلان المباديء المشؤوم الذي عرف باتفاق اوسلو، هو الممر البري بين الضفة الغربية وقطاع غزة والذي اطلق عليه "الممر الآمن" والذي طالما فهمه الناس كأنه توكيد للوحدة الجغرافية بين الضفة والقطاع والتي وردت في نص الاعلان إياه، لكن كل مرة كان يطرح فيها تنفيذ هذا الممر كانت اسرائيل تختلق كل الذرائع والعوائق أمام تنفيذه، فتارة كان التعلل بالخرائط الهندسية، وتارة بوضع خيارات بين نفق سفليأو شارع علوي وثالثة اقترحت تحويل المشروع إلى مشروع قطار، لدرجة بات التلاعب في هذا الموضوع مثيرا للقرف والاستهزاء معا، لكنه في الحقيقة عكس نوايا اسرائيل الحقيقية في الحفاظ على الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع ومنع نشوء نسيج مجتمعي وسياسي واحد يعبر عن طحن التناقضات الداخلية، حتى إدى ذلك في النهاية إلى مأساة الانقسام وبعد أن نفذ شارون خطته بالانفصال من طرف واحد عن قطاع غزة واخلاء المستوطنات القائمة فيه.

باخلاء القطاع من الوجود الاحتلالي المباشر تحول الى سجن كبير محاط بالسياج وبالاجراءات الاسرائيلية المختلفة لدرجة أن جيلا كاملا من الشعب الفلسطيني في الضفة لا يعرف غزة إلا كما يراها عبر الشاشات او في الصور ويحلم بالوصول الى شاطئها، كما يحلم الغزاويون برحلة نقاهة إلى الضفة.

وتكرس بغياب المعبر البري بين الضفة وغزة حالة انقسام غير مرئية حتى على صعيد المؤسسات الحكومية التي كان لها مركزان واحد في رام الله والآخر في غزة. هذا يعني أن الانقسام السياسي لم يكن الا ثمرة غير مباشرة لحالة الانقسام الجغرافي وما ولده من ثقافة  أسست لمثل هذا الأمر ومن خلال الانفصال من طرف واحد وترك القطاع يواجه مصيره.

واليوم تطالعنا الأخبار عن ممر بحري بين قبرص وغزة، هذا الممر الذي يكرس الانفصال والانقسام، ويستعيض عن معبر رفح الذي يفتح البوابات على العرب  بخط بحري غير مأمون وطويل نحو قبرص التركية التي انقسمت عن الجزيرة الأم، وهذا يشكل خيار اقليميا سياسيا قبل ان يكون اضطرارا جغرافيا للخروج من الحصار.

فالممر البحري لن يكون سوى اعادة هيكلة وترتيب للحصار على القطاع، بمعنى دفع ثمن سياسي مقابل خط بحري طويل، اي تأمين غلاف غزة من المستوطنات مقابل ان يصبح للقطاع ميناء يحمل كل الحالمين بمغادرته على ظهور السفن الى بلاد بعيدة، ويجعل لغزة مفتاحا آخر غير مفتاح اندماجها الوطني.

هذا الممر هو أوسلو الثانية ويعلم الله والراسخون في علم التفاوض كم سيكون ثمنه على مستوى الحقوق الوطنية، وكأننا صرنا في سباق ايهما أمهر في الوصول الى طاولة التفاوض مع الاسرائيلي، وايهما الأقدر على اثبات الزعامة، الامر الذي يعني ان كمية تراب هائلة قد جرفت من حفرة الانقسام لتتسع وتتعمق.

هل يدرك من يسعى الى مثل هذا الممر ان الأولى في هذه اللحظة ان تردم حفرة الانقسام الى غير رجعة وان تجدد الشرعيات الفلسطينية، وان يعاد خيط الوصل النفسي بين الضفة والقطاع، ام ان صراع المصالح بات اهم من كل التراب الوطني؟

واذا كان من فاوض على ممر بحري عائم بين قبرص وغزة الى هذه الدرجة من المهارة ولديه هذا الاستعداد للمقايضة، فلماذا لم يفتح حوارا مع الشقيقة مصر يكون جديا وبمستوى شعور عال بالمسؤولية الوطنية كيما يصار الى فتح معبر رفح  وترتيب ذلك رغم الخلاف السياسي الناتج عن رؤية ايدولوجية اكثر منه خلاف على الموقف من القضية الوطنية.

الم يكن من الاجدر ان تخلي حماس طرفها وتبريء ذمتها من كل ما تتهمها به مصر النظام، وان يصار الى ترتيب معبر رفح بشكل فلسطيني موحد؟

ان في الاستماتة في تكريس هذا الممر وعبر المأفون بلير، يضع الف فأر في عب كل من يفكر بشكل وطني سوي، تماما كما كان التخلي المضمر عن الممر البري. لذا ورغم كل الشعور بالتضامن مع الأهل في غزة وحصارهم، الا ان الحل لا يكمن في متاهة بحرية طويلة، بل في معبر رفح هذا اذا صلحت النية نحو انهاء الانقسام.