الصحافة التنويرية يلزم أن تكون اخلاقية

بالعربي_كتبت ريم خليفة :  بين فترة واخرى يتردد الحديث عن ضرورة طرح ميثاق شرف ملزم للعمل الصحافي، ولكن على الرغم من كثرة المواثيق التي يتم طرحها فانها لاتؤثر كثير في العمل الصحافي الذي تغيب عنه المعايير والمقاييس الضابطة للصحافة الحرة في البلدان المتقدمة. ويمكن القول ان منطقتنا العربية لازالت لم تؤسس لمدرسة صحافية تنافس المدارس الحرة والمستقلة والمتطورة، اذ لازالت الكثير من البلدان تنتظر الى الصحافة والاعلام كوسائل لتنفيذ سياسات محددة، بدلا من كونها وسيلة للتعبير عن الرأي العام والتاثير في الحياة العامة.

الاكثر من ذلك، فان هناك من يعتبر العمل الصحافي نوعا من التدخل في شئوون الاخرين، او ان الصحافة عليها خطوط حمراء من كل جانب قد تخنق مسيرتها وتحولها الى صفحات للعلاقات العامة. ان الصحافة المحترفة تحتاج الى بيئة مساندة، وتحتاج الى ثقافة داعمة، لكي يمكن اعتماد مواثيق شرف لضبط المهنة ذاتيا مهكما كان ذلك ممكنا.
ولنأخذ مثلا مدونة قواعد السلوك للصحافيين المحترفين التي تعتمدها جمعية الصحافيين المحترفين الأميركية، فان هذه المدونة تشير الى تطرح دليلا إرشاديا لأولئك الذين ينخرطون في الصحافة ويتحملون المسئولية عن المعلومات التي يقدمونها، بغض النظر عن وسيلة النشر. وبحسب جمعية الصحافيين المحترفين فأن التنوير الذي يضطلع به الصحافيون هو عمل ريادي يهدف الى تحقيق العدالة وتثبيت الأسس الديمقراطية، ولذلك فان الصحافة يجب ان تكون أخلاقية ايضا، و عليها أن تسعى جاهدة لضمان التبادل الحر للمعلومات الدقيقة والنزيهة والشاملة، وأن الصحافي الأخلاقي يجب ان يتصرف دائماً بنزاهة.
لقد طرحت الجمعية المذكورة أربعة مبادئ كأساس للصحافة الأخلاقية، وهذه المباديء هي ضرورة تقصي الحقائق وكتابة التقارير عنها، تقليل الضرر،  التصرف بشكل مستقل، والعمل بمسئولية وشفافية.
بالنسبة للمبدأ الأول، فانه ينبغي أن تكون الصحافة الأخلاقية دقيقة وعادلة، وينبغي أن يكون الصحافيون شرفاء وشجعان في جمع وإعداد التقارير وتفسير المعلومات، على الصحافيين ان يتحملوا المسئولية عن دقة عملهم، والتحقق من المعلومات قبل نشرها، واستخدام المصادر الأصلية كلما أمكن ذلك. كما ينبغي عرض الخبر ضمن سياقه، والاعتناء بصورة خاصة بمنع تحريف أو تبسيط أي قصة خبرية أثناء نشرها أو مراجعتها أو تلخيصها.  كما ينبغي تحديد المصادر بوضوح، إذ إن من حق الجمهور الاطلاع على أكبر قدر من المعلومات لكي يتمكنوا من تحكيم عقلهم بشأن موثوقية ودوافع تلك المصادر. كما ينبغي السعي بجد إلى السماح لمن يعنيهم الأمر بالرد على أية انتقادات أو اتهامات بارتكاب مخالفات، وان يكون الصحافي الأخلاقي يقظاً وشجاعاً عبر مساءلة من بيده السلطة، وأن يقف مع إعطاء صوت لمن لا صوت لهم، كما ينبغي تجنب التنميط في كتابة الأخبار والتقارير.
المبدأ الثاني للصحافة الاخلاقية يتعلق بتقليل الضرر  لأولئك الذين يكتب عنهم الخبر، والزملاء وأفراد الجمهور، بصفتهم بشرا يستحقون الاحترام. ولذا، فإن على الصحافيين  موازنة حاجة الجمهور للحصول على معلومات مع احتمال التسبب بضرر لهم. كما ينبغي  إظهار التعاطف مع أولئك الذين قد يتأثرون بالتغطية الإخبارية، والتصرف بحساسية عند التعامل مع الأحداث، وضحايا الجرائم الجنسية، والمصادر أو الأشخاص الذين يفتقرون إلى الخبرة أو غير قادرين على إعطاء الموافقة. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية في النهج وأساليب معالجة المواضيع، وأن الحق في الحصول على المعلومات ليس معناه تبرير النشر أو البث من دون أية اعتبارات اخرى.
المبدأ الثالث للصحافي الاخلاقي هو  التصرف بشكل مستقل، وذلك لأن الهدف الأكبر والأساسي للصحافة هو خدمة الجمهور، وعلى الصحافيين  – بحسب جمعية الصحافيين المحترفين الاميركية/، مثلا، رفض الهدايا، والمزايا، والرسوم، وتسهيلات السفر، والمعاملة الخاصة، وتجنب القيام بالأنشطة السياسية أو خارج المهنة الصحافية، وغيرها، والتي قد تؤثر في سلامة العمل الصحافي أو نزاهته، أو ما قد يؤدي إلى فقدان المصداقية. كما ينبغي  الحذر من مصادر المعلومات التي تقدم المزايا أو المال، مع ضرورة تمييز الأخبار عن الدعاية والإعلان، وتجنب التغطيات التي لا توضح الحدود الفاصلة بين التحرير الخبري والتحرير الإعلاني.
المبدأ الرابع للصحافي الاخلاقي يتطلب العمل بمسئولية وشفافية، لأن الصحافة الأخلاقية تعني تحمل مسئولية العمل وشرح القرارات للجمهور. وينبغي على الصحافيين  شرح الخيارات والإجراءات المتبعة للجمهور، ويلزم تشجيع الحوار المدني بشأن الممارسات الصحافية والتغطية والمحتوى الإخباري، مع ضرورة الاستجابة السريعة للأسئلة بشأن دقة التغطيات الخبرية ووضوحها وضمان الإنصاف في إعدادها. اذافة الى كل ذلك، فيجب الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها على وجه السرعة وبشكل بارز، ويلزم شرح التصحيحات والتوضيحات بعناية وبشكل واضح.
ان الصحافة الاخلاقية هي مشعل التنوير في المجتمعات المتحضرة، وهي المقياس الحقيقي لمدى اتساق الحياة العامة مع معايير الديمقراطية والتعددية واحترام الاخرين والاعتراف بكراماتهم المتأصلة والتي لايجوز التعدي ليها تحت أي عذر كان.