صحفيون ينتجون للإعلام الدولي أفضل من إنتاجهم للمحلي.. لماذا؟

بالعربي_كتبت رحمة حجة :  خلال تصفحّي بعض المواقع الإخبارية العربية، شدّني عنوان أحد التقارير، لأمنحه وقتًا جيدًا للقراءة، وفي نهايته كان اسم الصحفي الذي أعدّه. عندها فوجئت! لأنني أعرفه، وأعرف مستوى إنتاجه الذي ينشره في وكالة أنباء محلية. الحادثة قادتني لدردشة مع بعض الزملاء، أكدوا أن هذا الصحافي يمثل حالة موجودة في الصحافة الفلسطينية، إذ يقدم البعض أفضل ما لديه لوسيلة إعلام عربية أو دولية، بينما يقدم أقل بكثير لوسيلة إعلامية محلية، هي مكان عمله الرئيس. يصف زميل يعمل في ظل صحيفة محلية، تجربة عدد من الصحفيين الذين عملوا تحت إشرافه، قائلًا: "يأتينا الصحفي متدربًا، يُظهر لنا إبداعاته ومهاراته العالية حتى تعيينه، ثم إذا اختلط بمن سبقه من زملائه، يرى أن معظمهم يعمل مع أكثر من جهة، ولا يقدم سوى القليل كمًا ونوعًا لمؤسسته، فيبحث عن مسربه الخاص، ويعتمد أن راتبه الشهري متوفر سواء قدم تقريرًا أو 10 خلاله". ويرى زميل آخر أن عمل الصحفي لا يُقاس بالأرقام، فالأهم جودة إنتاجه ومهنيته، بينما تضيف صديقة، أن الكثير من الصحفيين ذوو إنتاج غزير لكن بلا مضمون مميز يحمل جديدا. يبدو أن المسألة ذات شجون، وصار لا بدّ من سماع آراء جديدة تناقشها، وتقوم بتوصيفها أو ربما تصنيفها. 

"مال أكثر مادة أفضل"

يقول مدير إذاعة 24FM، الإعلامي إيهاب الجريري، إن الأمر موجود بالفعل لكنه غير مرتبط فقط في العمل بين "محلي" وعربي/ دولي" بل بين "محلي ومحلي" أيضًا. ويتابع: "قد يُقدم مصور يعمل براتب ثابت في مؤسسة ما، جهدًا متواضعًا معها، بينما إذا استعنتُ به لمشروع يقدمُ أفضلَ بكثير، والمردود المادي يكون أفضل، وهذا سبب أساسي برأيي". ويضيف الجريري، أن من يكتب خبرًا لوسيلة إعلامية تدفع له أضعاف ما يتقاضاه لقاء خبر مماثل في مؤسسته، بالضرورة سيقدم مادة أفضل، وهذا منطقي. كما ستكون المادة التي ينتجها الصحفي خلال يومين أفضل بكثير من مادة يُطلَب منه إنجازها خلال ساعة واحدة، وفق قوله. الزميلة في "الحياة الجديدة" المتخصصة في المجال الاقتصادي، ميساء بشارات، تخبرني عن تجربة سابقة لها، حين كانت تعمل لصالح صحيفة محلية وتراسل وكالة أنباء دولية في ذات الوقت. كانت تقدم للأولى أخبارًا يومية وتقريرًا أو اثنين على الأقل أسبوعيًا. 

وفي ذلك تقول بشارات "قدمت للمحلي عددًا أكبر من الدولي لكن بجودة أقل"، مضيفةً: "هيئة التحرير في الدولي كانت متطلبة أكثر للمعلومات والخلفيات عن أي قضية، ولم يصدف أن قدمت الموضوع نفسه للجهتين". وتلفت بشارات إلى فكرة الفرق بين الصحفي الذي يعمل لصالح جهة محلية وأخرى دولية، قائلة "نظرة الناس أو الصحفيين إليّ إذا ما علموا أنني أعمل لصالح وكالة دولية كانت أفضل وتثير اهتمامهم أكثر من معرفتهم بعملي مع المحلي، وكان يعنيني جدًا أن يظهر اسمي مرافقًا لمادة جيدة جدًا في وكالة دولية".

"نخب 100"

ولمدير تحرير وكالة وطن للأنباء، علي دراغمة،  وجهة نظر في المسألة، إذ يقول "الصحفي المحترف يجب أن يتعامل بمهنية مع الخبر أو القصة بغض النظر عن الجهة التي يراسلها، لأن اسمه سيرافقهما، وأي تعامل بمكيالين مع الأخبار يُسمّى استرزاق لا صحافة". ويضيف دراغمة: "ألاحظ حالة استرخاء لدى بعض الصحفيين عندما يكون الخبر لوسيلة إعلام محلية، يظهر في ركاكة لغته وندره المصدر وكثرة الإنشاء، بينما يظهر تدقيقه في أصغر التفاصيل حين يكتب للخارج". أما الأسباب برأيه، تعود إلى أن الصحفي يعمل بنظام "القطعة" ويمكن أن يكون المردود المالي مجديًا، لذا لا يهتم بتكاليف القصة، في المقابل، لا تغطي وسائل الإعلام المحلية دائمًا كامل التكاليف، بالتالي يكتفي الصحفي بمكالمة هاتفية بدلا من الزيارة الميدانية، فتفقد مادته أهم إكسسواراتها وهو "اللون" فتصبح كالطعام بلا ملح، حسب تعبير دراغمة. 

وترى المذيعة في "صوت فلسطين" نسرين عوّاد، أن قوة وسيلة الإعلام وضعفها مرتبطة بشكل مباشر بالصحفي الذي يعمل فيها، بمعنى أن قوته من قوتها، والعكس صحيح". وتقول عواد إن  الاعلام الفلسطيني يواجه تحديات مختلفة، أثرت بدورها على طبيعة منتجه حتى يتراوح بين القوة والضعف ومراوحة المكان أحيانا أخرى، كما أن هناك ثقافة محلية تولي لكل دولي وعربي اهتمامًا أكبر مقارنة بما تمنحه للمحلي". الصحفية نائلة خليل، مديرة مكتب صحيفة "العربي الجديد" في الضفة، تقول إن "كتابة مادتين عن الموضوع ذاته لوسيلتين إعلاميتين مختلفتين دون أن يكرر الصحفي نفسه في أحدهما، أمرٌ مستحيل"، في إشارة إلى الصحفي الذي يعمل مع وسيلة محلية وأخرى عربية/دولية في الوقت ذاته، ومطلوب منه تتبع الحدث نفسه يوميًا، إذ يقوم بكتابة نسختين عن كل موضوع. وتتابع خليل: "عادةً ما تكون مادته للمحلي (نخب 100) بلا روح وألَق بينما للخارجي (نخب أول)، فالفرق بينها كمثله بين البضائع الصينية التي تصلنا ونظيرتها التي تصل بريطانيا، على سبيل المثال".

وتوضح: "كنت أكتب ملفات أو تحقيقات لوسيلة إعلام دولية لكن ليس أخبارًا وتقارير يومية. البعض يعمل بلا ضمير في مكان عمله الأساسي المحلي، فقط يريد أن يملأ المساحة المخصصة لمادة ما دون بذل مجهود، وهذا الشيء يجب ألا يتم التغاضي عنه". وتتطرق خليل إلى مسألة الرقابة وعلاقتها ببعض التبريرات التي يسوقها صحفيون من أجل التنصّل من فكرة أنهم يبدعون في موادّهم للخارج، إذ تقول: "توجد قصص لا علاقة لها بالرقابة الذاتية أو رقابة هيئة التحرير ويستطيع الصحفي إعدادها بالشكل الذي يُريد، ومع ذلك، يكتبها بضمير وحرفيّة أقل". وتضيف: "مثلا هناك قضايا أعرف أنها لن تنشر في الصحافة المحلية، لكن إذا طُلبت مني للإعلام العربي/ المحلي أكتبها بأفضل ما يُمكن، ليس لأنها للخارج إنما لأنني أساسًا أكتب بهذا النَفَس في أي مكان ولو توفرت فرصة نشرها في المحلي، لن يختلف الأمر". 

نقلا عن الحياة الجديدة