وقفة مع إغتيالات رؤساء اليمن في صنعاء وعدن!

بالعربي: همس الرئيس السابق علي صالح قبل أيام قليلة للمقربين من حوله أنه تلقى إتصالاً من مسئول الملف اليمني في الإستخبارات السعودية اللواء صالح الهدياني الذي كان ملحقاً عسكرياً للمملكة العربية السعودية في صنعاء في حقبة السبعينات الميلادية ، وأبلغ اللواء الهدياني الرئيس السابق علي صالح في الإتصال أنه إذا إستمر في دعم" الحوثيين"  ستكشف الرياض للرأي العام ضلوعه في إغتيال الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي الذي أُغتيل عام 1977 وهزَّ إغتياله العالم العربي وعمَّت أصداءه المجتمع الدولي

الرئيس الحمدي كان يتدخل بنفسه إذا تعرَّض مواطن يمني للأذى أو المضايقة في أيِّ بلد , وكان من الرؤساء العرب الذين يُعدَّون على أصابع اليد الواحدة في عفة اليد لكونه زاهدٌ لم يسرق المال العام ولم يعش عيش الترف والبذخ من قوت وأموال شعبه , كان أشرف وأنزه رئيس عرفته الأمة العربية , وكان فقدانه خسارة لليمنين كافة

سبق أن نفى علي عبد الله صالح عن نفسه الإتهامات بإغتياله , ومعلومٌ أن بين الحمدي وصالح تولى الحكم رئيسان لليمن , ومالدينا من معلومات تؤكد أن حليف علي صالح المقدم أحمد حسين الغشمي الذي تولى الرئاسة بعد إغتيال الحمدي هو الذي قتل الرئيس الذي سبقه
الرئيس الغشمي هو الذي قتل الرئيس الحمدي عام 1977 وقام بالتمويه وطمس معالم الجريمة وإخفاء أهدافها من خلال إقحام جثتين لفتاتين فرنسيتين في مسرح الجريمة الأمر الذي أوقع اليمنيين والفرنسيين في حيرة من أمرهم , ثم كشفت المخابرات الفرنسية أن الفتاتين اللتان وجدتا مقتولتين إنما كانتا سائحتين أُختطفتا من مطار صنعاء وتم قتلهما في مكان آخر , وكان الزجُّ بجثتيهما وبزجاجات الويسكي والشامبانيا في مسرح جريمة إغتيال الرئيس الحمدي يهدف إلى الإساءة إلى سمعته وتشويه صورته أمام الرأي العام

وفي العام الذي يليه كان الغشمي على موعد ليذوق فيه ما أذاقهُ لسلفه , فقد إتفق رئيس اليمن الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين) مع الرئيس الغشمي على أمرٍ كان مقرراً أن يتبعه إرسال مبعوث من الرئيس الجنوبي سالمين حاملاً معه حقيبة ليسلمها إلى الرئيس الشمالي الغشمي وجهَّزت عدن المبعوث الرئاسي إلى صنعاء في 24 يونيو 1978.

في هذه الأثناء كان الأمين العام للجبهة القومية في اليمن الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل الجوفي قد قرر التخلص من الغشمي وسالمين معاً , وتآمر معه مدير جهاز الأمن محمد سعيد عبد الله (محسن الشرجبي), وفرحان الخليدي من الجهاز نفسه , ووزير الداخلية مصلح صالح المريسي , وكانت الخطة تقضي بتغيير المبعوث الذي سيرسله الرئيس سالمين إلى الرئيس الغشمي من مطار عدن ليحل محله مهدي تفاريش ويقوم بنقل الحقيبة البديلة المفخخة إلى الرئيس الغشمي لتنفجر بمجرَّد فتحها , وهي عملية إنتحارية وافق مهدي تفاريش على تنفيذها لأنه كان مصاباً بالسرطان في مراحله الأخيرة وأقنعه إبن عمه وزير الداخلية مصلح المريسي أن يقوم بخدمة الثورة , لم يخضع مهدي تفاريش للتفتيش قبل دخول مكتب الرئيس الغشمي , وبعد فتح الحقيبة إنفجرت العبوة الناسفة وقضى الرئيس الغشمي ومهدي تفاريش نحبهما وأُصيب الحراس.

هاج اليمنيون كافة وإشتعل اليمن شمالاً وجنوباً , وأشار اليمن الشمالي بسبابة الإتهام إلى اليمن الجنوبي , وحققت صنعاء مع عبد الله حيدرة طيار الطائرة الخاصة القادمة من عدن , ولكن المخططين ليسوا حمقى ليودعوا سرهم لمن قد يفضحهم , وفي اليمن الجنوبي إتهم عبد الفتاح إسماعيل الرئيس سالمين بإغتيال رئيس اليمن الشمالي وتعريض أمن اليمن الجنوبي للخطر, صرخ الرئيس سالمين نافياً ضلوعه في ما حدث وتعهَّد للمجتمع الدولي بالكشف عن الجريمة والإنتقام من القتلة , ولكن فتاح أعلن الحرب على سالمين وقاد مع رفاقه إنقلاباً عليه في معركة خسرها الرئيس سالمين وأدت إلى إستسلامه بعد أن تعهَّد له علي عنتر بضمان سلامته وخروجه إلى خارج اليمن الجنوبي باللجوء السياسي, وبعد إستسلام سالمين قرر فتاح قتله رغم عهد الأمان الذي منحه إياه على عنتر وذلك لتبقى الجريمة ملصقة به , وهكذا كانت نهاية الرئيس سالمين في 26 يونيو 1978عقب يومين فقط من نهاية الرئيس الغشمي , وتولى رئاسة اليمن الشمالي خلفاً للغشمي الرئيس عبد الكريم العرشي الذي خشي أن يلقى مصيراً مشابهاً فتنحى بعد 4 أسابيع متنازلاً عنها لعلي عبد الله صالح الذي كان يُشهر خنجره قائلاً عنه (أخذت السلطة بهذا) قاصداً أنه هو من أقصى عبد الكريم العرشي وأجبره على التنحي

تولى علي ناصر الحسني الرئاسة مؤقتاً لثلاثة أشهر إلى حين تولى فتاح إسماعيل رئاسة اليمن الجنوبي في27 ديسمبر عام  1978 , وهبَّت عواصف الخلافات بين الرئيس فتاح وبين قيادات حزبية وتعرض لإنتكاسة صحية ثم قدم إستقالته في 21 إبريل عام 1980 وغادر قسراً إلى موسكو ليخلفه الرئيس علي ناصر الحسني ثم ليعود فتاح إلى عدن في عام 1985 ويتم إنتخابه أميناً عاماً للجنة المركزية وسكرتيراً للدائرة العامة في الحزب الإشتراكي اليمني.

أقال الرئيس علي ناصر وزير الدفاع علي عنتر, وسخط لذلك عنتر الذي إتهم الرئيس بإحتكار السلطة وأعلن التمرَّد عليه , واشتد الصراع بين الرجلين وأنصارهما وإنفجرت أحداث 13 يناير 1986م الدموية الشهيرة في عدن بين أنصار الرئيس علي ناصر وبين معارضيه وعلى رأسهم علي عنتر , ودام القتال شهراً ونيِّف وأسفر عن سقوط آلاف الضحايا , وتحالف علي عنتر مع فتاح إسماعيل للإنقلاب على الرئيس علي ناصر , وقيل أن رئيس اليمن الشمالي علي عبد الله صالح كان يدعم علي عنتر وفتاح إسماعيل لإن الأخير أغراه بالوحدة بين القطرين وبحكم اليمن الموحَّد بعد التخلص من الرئيس علي ناصر.

كان من بين القتلى في أحداث 1986 الثلاثة الذين قتلوا الرئيسين الغشمي وسالمين , وهم فرحان الخليدي ومصلح صالح المريسي بالإضافة إلى الرئيس السابق فتاح إسماعيل الجوفي الذي قضى حرقاً في المدرعة المصفحة التي كانت تقله وتعرضت لنيران معادية بالقرب من مقر القيادة البحرية , وأما مدير الأمن محسن الشرجبي فقد لجأ إلى بودابست عاصمة المجر ولا يزال رأسه مطلوباً في صنعاء كما في عدن , وفي مهب عاصفة الحزم نأمل أن لا تعود صنعاء وعدن إلى سابق العهد ذاك , وأن يعود اليمن سعيداً كما كان أو كما يقال.

لازال أنصار الله الحوثيين والفقراء يحيون ذكرى الرئيس الحمدي كل عام , ونحن إذ نزعم أن قاتله هو الغشمي فلنا في ذلك شواهد , من بينها ماذكرته شقيقة الرئيس المغدور “صفية الحمدي” بأن رجلاً من أهل الورع والتقوى في باب السبح كان يحدث عن رؤيا منام رآها قائلاً ( لقد رأيت الشهيد إبراهيم الحمدي بباب اليمن كأنه بدراً , وسألته ماذا تفعل هنا ؟ فقال : أنتظر غريمي) ولم يكد الرجل يكمل سرد الرؤيا إلا وسمعوا دوي إنفجار الحقيبة الملغومة التي قُتل فيها الغشمي !

عن الرأي اليوم