تقرير حول تراجع الدور العالمي لروسيا في مجال الطاقة

بالعربي: حذرت مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني من أخطار كبيرة يتعرض لها قطاع النفط والغاز في روسيا، وذلك نتيجة العقوبات الغربية وهبوط أسعار النفط.

وأوضح خبراء المؤسسة العالمية أن شركات النفط الروسية يمكن أن تتأقلم مع سعر 55 دولاراً للبرميل لسنوات، وعزوا ذلك إلى أن الروبل الضعيف يؤدي إلى تراجع تكاليف الإنتاج، والاستثمارات في الحقول. لكن الخطر يكمن على المديين المتوسط والبعيد في إمكان أن يتسبب النقص في التمويل الخارجي والحصول على تقنيات حديثة في تراجع إنتاج النفط والغاز في روسيا، ما يهدد دورها البارز في مجال الطاقة.
وفي ظل العقوبات المفروضة على القطاع المصرفي الروسي، يصعب الحصول على قروض داخلية لتطوير حقول النفط والغاز الجديدة في روسيا. ويُرجح أن تلجأ الشركات إلى تمديد أجل دفع القروض الغربية القديمة عبر التفاوض، لكن حجمها لا يكفي لاستثمار حقول جديدة. وفي حين يمكن تمويل بعض المشاريع من موارد صندوق الرفاه الوطني، أو عبر عقود مع شركات أجنبية في مقدمتها الشركات الصينية، شكك خبراء في قدرة الشركات الآسيوية على تعويض مصادر التمويل من أوروبا والولايات المتحدة الاميركية.
وفي ما يخص الحظر المفروض على التقنيات الحديثة اللازمة لاستغلال الحقول الصعبة الاستخراج في الجرف القاري شمال روسيا والمناطق الباردة في سيبيريا، استبعد الخبراء تأثيراً كبيراً على إنتاج النفط والغاز على المدى القريب، لكن يمكن أن يتراجع بين 3 و5 في المئة بدءاً من عام 2017.
يحرم عدم تزود روسيا بالتقنيات الحديثة من استغلال احتياطاتها الكبيرة من الصخر النفطي، أو حتى الاستغلال الأمثل للحقول التقليدية بسبب الحظر الغربي على تقنيات الحفر الأفقي، وتعويض النقص في الحقول القديمة. ووفق خبراء "تستورد روسيا نحو نصف حاجاتها من تقنيات الحفر اللازمة للحقول العادية، وأكثر من 90% من التقنيات المستخدمة في الجرف القاري".
ووردت تقديرات مؤسسة «فيتش» قبل أيام من كشف وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عن نسخة معدلة من «إستراتيجية الطاقة في روسيا حتى 2035». واستناداً إليها تسعى روسيا إلى الحافظ على حجم الإنتاج الحالي المقدر بنحو 525 مليون طن سنوياً. و تتضمن الإستراتيجية زيادة إنتاج الغاز من 640 بليون متر مكعب إلى 805 بلايين. وكشف نوفاك، أن حجم الاستثمارات اللازمة حتى عام 2035 تُقدر بنحو 2.5 تريليون دولار للوصول إلى الأهداف المرسومة.
وتُظهر النسخة الجديدة من إستراتيجية الطاقة في روسيا، تراجعاً عن الأهداف الموضوعة سابقاً، الامر الذي يعني تأجيل هدف تحويل روسيا إلى قوة عظمى في مجال الطاقة إلى فترة غير محددة.
وكان الهدف المحدد في النسخة الأولية العام الماضي، رفع إنتاج الغاز إلى ما بين 871 بليون متر مكعب و926 بليوناً، فيما تغيب عن الإستراتيجية الجديدة أهداف طموح مثل الاستحواذ على خُمس سوق الغاز في الولايات المتحدة. وبدلاً من رفع الإنتاج إلى 535 مليون طن في النسخة القديمة، أعلن الوزير أن الهدف هو الحفاظ على حجم إنتاج عام 2014.
ويدور الحديث أيضاً عن سيناريو متشائم يهبط فيه إنتاج النفط إلى 476 مليون طن عام 2035، ويتفق الخبراء مع هذا السيناريو، لأن التراجع في إنتاج النفط والغاز في روسيا يعود إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية، لأن هبوط أسعار النفط يحد من الاستثمار في الحقول الصعبة الاستخراج. كما أن التوسع في مشاريع الغاز المسيل أي إلى زيادة العرض مع ثبات الطلب.
ويلعب النظام الضريبي الخاص باستثمارات الطاقة في روسيا دوراً سلبياً وفق ما قاله الخبراء انه غير فعال وغير مستقر. فيما تهيمن الشركات الحكومية على هذا القطاع، ولا توجد أية آفاق لدخول الشركات المتوسطة للعمل في الحقول الصغيرة. ولا يمكن إغفال القيود على دخول الشركات الأجنبية، والمشاكل المتعلقة بحماية الملكية، وعدم استقلال النظام القضائي. وزادت الوضع سوءاً العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط والغاز، على خلفية ضم القرم والأزمة الأوكرانية.
وعلى رغم الاحتياطات الضخمة من الغاز الصخري في روسيا، يؤخر عدم توافر التقنيات اللازمة بدء استغلالها، لكن الأهم هو عدم وجود أسواق لتصريف الإنتاج، لأن السوق الداخلية الروسية تنمو ببطء شديد، فيما لا تخفي أوروبا رغبتها في التخفيف من اعتمادها على الغاز الروسي وتنويع مصادر الغاز ومسارات خطوطه، وزيادة كميات الغاز المسيل من الولايات المتحدة وغيرها، إضافة إلى رفع حصة الطاقة البديلة والمتجددة. وعن التوجه الشرقي، لا يمكن الطلب الصيني على الغاز الطبيعي الروسي تعويض الصادرات إلى أوروبا.
وفي مجال النفط تعاني الحقول الروسية المنتجة من اقتراب نضوب معظمها، مع عدم وجود اكتشافات لحقول عملاقة جديدة. ورأى خبراء أن الحقول الرئيسية للنفط استُغلّت بنسبة 60 في المئة. ومعلوم أن هذه الحقول تُصنف ضمن تلك الصعبة الاستغلال، ما يعني أنها تحتاج إلى ضخ استثمارات أكبر، وتوفير تقنيات تفتقر إليها روسيا، ولا يقدمها الغرب بسبب العقوبات. والأهم ارتفاع الأسعار لأن كلفة استخراج البرميل من هذه الحقول، وفق تقديرات شركة «لوك أويل» الروسية تصل إلى 85 دولاراً.
والحديث عن تعزيز دور روسيا العالمي في مجال الطاقة، عبر استثمار حقول الجرف القاري وثروات المحيط المتجمد الشمالي، دونه الحظر الغربي على التقنيات الحديثة، وعدم توافر الاستثمارات للبنية التحتية في منطقة تنخفض فيها الحرارة إلى 70 تحت الصفر، وتغطيها الثلوج في معظم أوقات العام، ما يصعب عمليات الحفر والنقل. ولعل الأهم هو عدم حسم الوضع القانوني والتنافس على ثروات القطب الضخمة بين بلدان كثيرة. كما لن يكون الاستثمار مجدياً في ظل الأسعار الحالية، إذ تُقدر الكلفة الأولية لسعر البرميل بنحو 150 دولاراً. ومن العوامل المهمة، حصر التنقيب والاستكشاف واستغلال القطب الشمالي والجرف القاري بالشركات الحكومية، التي تفتقد المبالغ اللازمة لاستثمار هذه الحقول، وعدم فتح المجال أمام الشركات الخاصة والأجنبية.
وربما تشعر موسكو بارتياح مع تحسن أسعار النفط خلال الشهر الأخير، وارتفاعه الكبير على خلفية العملية العسكرية في اليمن. لكن خبراء يشيرون إلى أن ارتفاع الأسعار موقت لأسباب كثيرة، أهمها تباطؤ النمو في الصين في السنوات المقبلة ما يعني فقدان واحد من أهم العوامل الذي ساهم في تعزيز الطلب على النفط. كما لا يمكن إهمال الارتفاع الكبير في حجم المخزون الذي بلغ في الولايات المتحدة أعلى مستوى منذ ثمانين عاماً عند نحو 70 في المئة من الطاقة التخزينية. وفي اليابان ترتفع هذه النسبة إلى 80%، فيما لم يتبقَّ في أوروبا أكثر من 10 في المئة من الطاقة التخزينية. وتشي هذه المؤشرات بهبوط الأسعار مجدداً، ما يعني عدم قدرة روسيا على استثمار مزيد من المبالغ في مجال الطاقة.
ينطلق الحديث عن روسيا كقوة عظمى في مجال الطاقة من تصدر روسيا قائمة لبلدان المنتجة النفط، واستئثارها بأكبر كمية من الغاز الطبيعي المصدر عبر الأنابيب. لكن تأثير روسيا في السوق النفطية محدود جداً في ضبط الأسعار، لأنها لا تستطيع رفع الإنتاج أو خفضه نظراً إلى طبيعة الحقول الموجود معظمها في سيبيريا. في حين تضعف زيادة إنتاج الغاز المسيل وتطور وسائل الغاز الصخري، تأثير روسيا في مجال الغاز الطبيعي.