غرقت العبارة بألف من ركابها... وبعد عقد يبرأ صاحبها

بالعربي_وكالات:وضعوا أحلامهم في حقائب سفرهم، وودعوا ذويهم على أمل العودة لأحضان الوطن مرة أخرى، إلا أن الإهمال وقف لهم بالمرصاد.. إنهم ضحايا عبارة "السلام 98" أسوأ ذكريات الكوارث البحرية في التاريخ الحديث، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص.

ففي الثالث من فبراير عام 2006 استيقظت مصر على فاجعة بحرية لم تكن تتخيلها، فقد انتشرت الأخبار عن غرق العبارة "السلام 98" بعد أن تحركت من ميناء "ضبا" السعودي في طريقها إلى ميناء "سفاجا البحري" بمصر. كانت الصورة تزداد سوءًا كلما ازدادت وضوحًا، فالغارقون في مياه البحر الأبيض المتوسط جاوز عددهم الألف غريق، ولا أحد يعلم عن مصيرهم شيئًا.

تحركت ألسنة الرأي العام وقتها بالغضب، وتعالت صيحات الأمهات المكلومة والأهالي المفجوعة في ذويها، وفي وسط هذا الصخب نجح مالك العبارة ممدوح إسماعيل في الهروب إلى لندن بصحبة ابنه وشريكه في الشركة وفي الإهمال "عمرو"، غير عابئين بأرواح من ماتوا ولا بأرواح من عاشوا.

جدير بالذكر أنه منذ وقت قريب صدرت أحكام البراءة لمالك العبارة وابنه من التهم المنسوبة إليهم، وكان المتهم الوحيد هو قائد "سانت كاترين" الذي اتهم بالإهمال لتقاعسه عن إنقاذ زملائه، لتبقى العبارة "السلام 98" وصمة عار في جبين عهد مبارك- كما وصفها السياسيون والصحفيون آنذاك- زاد منها سوءًا الفيديو الشهير الذي ظهر به الرئيس السابق وهو يمزح مع مواطن أسيوطي من صعيد مصر في بيته قائلاً: "اوعى تكون بتركب عبارة من اللي بيغرقوا دول"؛ ليبكي المصريون حسرة على الاستهانة بألمهم بعد أن استهانوا بأرواحهم.

في الوقت الذي فتحت فيه ملفات تلك العبارة على مدى السنوات السابقة. وعلى الرغم من تقديم الكثيرين الأدلة التي تفيد تورط ممدوح إسماعيل وغيره، كان آخرها ما تقدم به أهل الشهيد أحمد محمد سعداوي في فبراير 2015، إلا أن النائب العام المستشار هشام بركات فاجأ الجميع أمس الأول الخميس بإصدار قرار برفع اسم رجل الأعمال الشهير ممدوح إسماعيل من قوائم ترقب الوصول.

نص القرار والذي وُجه من رئيس المكتب الفني للنائب العام إلى محام عام أول نيابات البحر الأحمر على موافقة النائب العام المستشار هشام بركات، بتاريخ 31/ 3/ 2015، على رفع اسم ممدوح إسماعيل محمد علي، والمتهم في القضية 1525 لسنة 2006 جنح سفاجا، من قوائم منع وترقب الوصول، مؤكدًا أنه تم إخطار مصلحة الجوازات والجنسية ومصلحة الأمن العام بذلك.

وبذلك يصبح رجل الأعمال ممدوح إسماعيل غير مطلوب جنائيًّا، ومسموحًا له بدخول البلاد، بعد فترة هروب 9 سنوات قضاها خارج البلاد، عقب غرق عبارة السلام 98 منذ عام 2006.

وعن ذلك يقول مجدي الجوهري، الخبير القانوني، إن براءة مالك عبارة السلام المتورط الأول في الحادثة من النيابة العامة يعني أن النيابة لم يكن لديها أي حقائق لكي تؤكد حبسه؛ لذلك أصدرت ذلك القرار، لافتًا إلى أن قرارات النائب العام لا يطعن فيها بقدر ما يمكن أن يتم تقديم أدلة ضدها، فمن يمتلك أدلة في هذا الأمر، فعليه التقدم بها إلى النائب العام، وهو الذي له الحق في البت فيها.

وأوضح الجوهري أن عبارة السلام وما حدث بها لن ينسى على مر التاريخ؛  ففيه أزهقت 1033 روحًا، وكانت فاجعة مصر الكبرى وقتها، لافتًا إلى أن النيابة لا بد أن تحدد الجناة الحقيقيين إن لم يكن ممدوح إسماعيل، وأن تعاقبهم؛ حتى لا تتكرر تلك الكارثة في مصر.

وأكد محمد عبد الفتاح، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، أن قضية عبارة السلام أسدل ستارها منذ حكم مبارك؛ لأن رجل الأعمال وغيره من الشركاء كانوا يعلمون جيدًا بغرق السفينة، وعلى الرغم من ذلك نجوا بأنفسهم، وتركوا المواطنين يغرقون ولم يتحركوا، لافتًا إلى أن عقاب الجناة في وقتها كان سيصبح عبرة.

وتابع عبد الفتاح أن سياسات القضاء في مصر واحدة تعتمد على التعتيم والتأخير، حتى يهدأ الرأي العام، وينسى الفاجعة التى حدثت، ومن ثم فإن أي قرار أو حكم يصدر لن يكون له تأثير طالما مرت مدة كبيرة على القضية ذاتها وتناساها الجميع.