نصف دولار للاجئ السوري يومياً

بالعربي: كيف «يُترجم» شعور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «بالعار والغضب والإحباط إزاء فشل المجتمع الدولي في إنهاء الحرب في سوريا» على أرض الواقع، طالما أن المجتمع الدولي هو نفسه الذي يموّل الحرب وعمليات الإغاثة في الوقت ذاته؟

وكيف يمكن للوفد اللبناني أن يذهب متفائلاً إلى الكويت حيث انعقد «مؤتمر المانحين لمساعدة النازحين السوريين والدول المضيفة، وتجربته في المجال تبرهن الانتقال من وضع بائس إلى وضع أكثر بؤساً؟
وكيف يمكن أن يختتم المؤتمر بإعلان مون عن جمعه 3.8 مليار دولار، أي أقل من نصف ما كان مطلوباً وهو 8.4 مليار دولار، من دون أن تعلو أصوات منددة؟ وكيف يمكن أن يبقى مصير 4 ملايين لاجئ من سوريا مجهولاً؟
في الواقع لم تصدم نتائج مؤتمر الكويت عدداً من العاملين في مجال الإغاثة، سواء انتموا إلى منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، أم كانوا ملتحقين بمنظمات وجمعيات أهلية محلية. فهم على ما يقال بالعامية يعرفون «البير وغطاه». ويدركون أن ما يُحكى عن «برودة وتعب الدول المانحة» ليس إلا تلكؤ وتقاعس عن أداء المطلوب منها. وإزاء هذا بدأت تعلو أصوات مطالبة بإعادة النظر بعمل منظمات الأمم المتحدة، مستندة تارة إلى فسخ إحدى المنظمات الدولية عقدها مع «المفوضية العليا للاجئين»، وتارة أخرى إلى الحالة التي أوصل إليها «برنامج الأغذية العالمي» اللاجئين، حين أعلن وقف معوناته الغذائية فجأة بسبب نقص في التمويل. أبلغهم بذلك من خلال رسائل نصيّة قصيرة عبر هواتفهم النقّالة فأربكهم، ليعود ويخفّض قيمة المعونة الغذائية من 30 دولاراً للفرد في الشهر إلى 19 دولاراً. ناهيك بمن يستثنى ويُعاد إدراجه ضمن لوائح المساعدات من دون أن يعرف لماذا تمّ استثناؤه وكيف تمت إعادته. ربما «تخفق منظمات الأمم المتحدة لأن الأزمة السورية أكبر منها» يقول أحد المسؤولين في منظمة تابعة للأمم المتحدة، شارحاً أن الشق الإنساني فيها يتبع الشق السياسي وتعقيداته، ولا يُبدّى عليه، حتى ولو وصل عدد اللاجئين من سوريا إلى 4 ملايين لاجئ.
«مانحون للصيت والصورة»
مثّل المنظمات والجمعيات في مؤتمر الكويت رئيس «مؤسسة عامل» الدكتور كامل مهنا. وقد أوضح قبيل مغادرته أنه لم يعد في الإمكان الرهان على تقديمات الدول المانحة وعمل المنظمات الدولية، «فهناك نحو 50 مليون لاجئ ونازح في المنطقة، ثلثاهم من المسلمين وأكثر من 10 ملايين منهم يأتون من سوريا وحدها». بالنسبة إليه «الوضع كارثي ومتفجّر»، سائلاً: «كيف يمكن أن تتدبر المنظمات أمورها بنحو 30 في المئة من التمويل المطلوب، خصوصاً أن جزءاً لا بأس به من الأموال المرصودة يصرف على رواتب الموظفين والأمور اللوجستية». وهو ما يؤكده المسؤول في إحدى منظمات الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن متوسط المرتبات يبلغ نحو 5 آلاف دولار.
يضيف مهنّا أن الدول المانحة، التي تشكّل منظومة الامم المتحدة، «تعمل على تلميع صورتها وصيتها أكثر منه على المردود الإيجابي للنازح». ويذكّر بأنه خلال مؤتمر الكويت السابق، طلبت المنظمات نحو 6 مليار دولار، فتعهدت الدول المانحة بنحو مليارين لكن ما وصل لا يتعدّى 37 في المئة من تلك التعهدات. ما أدى إلى قطع عدد من البرامج، فـ «عامل» نفسها وقّعت على برنامج، ليتم إعلامها بعد ستة أشهر أنه توقّف بسبب نقص التمويل.
ويرى مهنا ضرورة إعادة النظر في السياسات الإغاثية لأن عدد اللاجئين كبير وبات خارجاً عن السيطرة، ولم تعد تجد الخطط والنداءات القصيرة الأمد لإغاثتهم. ويستند إلى تقارير وإحصاءات تبرهن أنه بعد الحروب يبقى نحو 20 في المئة من اللاجئين في مناطق لجوئهم ولا يعودون إلى بلدانهم، متوقعاً أن تستغرق العودة النهائية للقسم الآخر منهم نحو خمس سنوات بعد انتهاء الحرب.
إذا كان مهنا قد رأى في مساهمات المانحين ما يلمّع صورتهم أكثر مما يفيد اللاجئين، فإن المسؤول في إحدى منظمات الأمم المتحدة يذهب إلى حدّ اتهام الدول المانحة بـ «تحفيذ اللاجئين إلى مغادرة سوريا في بداية الحرب لاستخدام أعدادهم ضدّ النظام». يضيف أن «الاستثمار السياسي كان يعطي إغراءات للسوريين من خلال تأمين سكن، وتقديم المساعدات الطبية والمعونات الغذائية والتعليم»، لذلك بدت الدول في أوج عطاءاتها عامي 2012 و2013. غير أن شدّ الحبال بين أقطاب الصراع، لم يسقط نظام الأسد فبدأ الحديث عن «تعب وبرودة المانحين» إلى حدود بدأت فيها المفوضية تستغني عن 30 إلى 40 في المئة من الموظفين الذين انضموا إلى صفوفها بداية الحرب.
هذا ما يقوله المسؤول، بدأت مشكلة اللاجئين تكبر، «لم يسقط النظام بينما زاد عدد اللاجئين إلى حدّ ما عاد ممكناً الاستمرار في تمويل متطلباتهم. وباتت سياسات التخاذل من جانب تلك الدول ومن جانب الدولة اللبنانية على حدّ سواء تهدد استقرار لبنان وأمنه». حينها، ووفق المسؤول نفسه، قدّمت الجهات المعنية «إبرة مورفين» للبنان واللبنانيين وذلك لامتصاص الضغط ولعدم انفجار الوضع في لبنان. أتت عملية الإنقاذ من خلال «خطة الاستجابة اللبنانية للأزمة السورية» التي أطلقت في السرايا الحكومية منتصف كانون الأول الماضي والتي يقول عنها وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إنها «طُبخت في الوزارة تحت إشراف الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون». وهي ستنفذ بالشراكة مع «برنامج الامم المتحدة الإنمائي» و «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، وتتطلب مليارين ومئة مليون دولار لتطبيقها خلال العامين 2015 و2016. هي الخطة نفسها التي حملها الوفد اللبناني إلى مؤتمر الكويت قبل أيام، طالباً مليار و47 مليون دولار للبدء بتنفيذها.
يعتبر المسؤول أن الخطة بحدّ ذاتها هي نوع من تسليم مسؤولية النازحين إلى الحكومة اللبنانية، ولكن من دون أن تكون المحرّك الأساسي للأموال ومن دون أن تتفلت من وصاية المفوضية في هذا المجال. يضيف أنه، نظرياً، تدير الدولة الملف وتساعدها المفوضية والمنظمات الأخرى من خلال تأمين المساعدات وضمان الاستقرار الاجتماعي. ولكن، ما هو دور الوزارة فعلياً وكيف ستتم مواكبة تطبيق الخطة؟
ويفصح المسؤول أن «أحد الوزراء أعلن مرّة أن مديرة شؤون المفوضية في لبنان نينت كيلي تتحكم بلبنان من خلال ملف النازحين». ويتحدث عن أزمة ثقة بين المفوضية ووزارة الشؤون الاجتماعية، ما سيجعل المفوضية «تسعى إلى تعيين موظفين لمساعدة المحافظين داخل المحافظات على إدارة شؤون النازحين. والمعروف أن المحافظين تابعون إلى وزارة الداخلية، ما يعني فتح خطوط ثانية من قبل المفوضية».
بغض النظر عمّا إذا كان هذا الرأي صائباً أم غير صائب، فإن تلكؤ المجتمع الدولي ورمي المسؤولية على لبنان بات واضحاً، بالمقارنة مع تركيا والأردن اللتين أمسكتا بزمام الأمور منذ وقوع الحرب، وحددتا أعداد اللاجئين إليهما.
الواقع المؤلم
يشير مهنا أنه على الصعيد الصحي تبدو الخدمات الاولية مقبولة، لكن لا قدرة للمستشفيات على استيعاب المرضى السوريين بينما تستثني المفوضية في برنامجها التقديمات الطبية للامراض المزمنة وحوادث العمل. ووفق «منظمة اليونيسف» يتواجد على الأرض اللبنانية 500 ألف تلميذ سوري، تقدم المفوضية التعليم لـ30 ألفاً منهم و «اليونيسف» لعدد مماثل و35 الفاً آخرين يتولاهم «البنك الدولي». ووفق مهنا تطال أضرار النزوح البيئة، إذ بات ينتج لبنان 7 آلاف طن من النفايات بينما كان ينتج قبل وجودهم 5 آلاف طن، كما البنى التحتية. وهو يشير إلى تقرير لـ «البنك الدولي» يثبت أن الاقتصاد اللبناني خسر نحو 20 مليار دولار بسبب النزوح السوري.
إلى هذا، يورد أن 20 في المئة من سجناء رومية هم من السوريين، لارتكابهم أفعالاً جرمية تعود لأسباب إقتصادية واجتماعية، «ناهيك بمشاكل السكن، إذ شهدنا هذا الشتاء موت نازحين بسبب البرد وهم يتوزعون على 1400 منطقة أو نقطة في لبنان».
لهذه الأسباب، لا يجد مهنا منفذاً إلا بالحل السياسي، متبنياً اقتراح الموفد الدولي إلى سوريا ستيفان دوميستورا أن يعاد قسم من النازحين إلى المناطق الآمنة في سوريا من خلال «صندوق للعودة».
من جهته، يشير المسؤول في المنظمة التابعة للأمم المتحدة إلى أن المنظمات الدولية عمدت إلى تخفيف مساعداتها بسبب التمويل ومنها «برنامج الأغذية العالمي»، فتراجعت حصة الفرد من 27 دولاراً في الشهر إلى 19 دولاراً. بينما يسود الارتباك العاملين فيها بسبب عدم التدقيق في اماكن وجود السوريين، فهم تارة في لبنان وأخرى في سوريا. ويضحك عند الحديث عن برامج إعادة التوطين لأنها «ليست برامج لتحسين حياة عدد من اللاجئين بقدر ما هي برامج لتقوية اليد العاملة في البلدان التي تستقبلهم، والتي لن تستقبلهم إذا كانت مصلحتها في ذلك أضعف من مصلحتهم».

 نقلا عن السفير