بلاتيني و بلاتر ..أصدقاء الأمس وأعداء اليوم

بالعربي_DW: تمّ أمس الثلاثاء (25 مارس/آذار 2015) انتخاب الفرنسي ميشيل بلاتيني (59 عاما) رئيسا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) للمرة الثالثة على التوالي، بعدما حظي بموافقة أعضاء الجمعية العمومية (كونغرس) في العاصمة النمساوية فيينا، في انتخابات شكلية لم يتقدم لمنافسته فيها أي مشارك آخر. وفي خطابه الأول فور انتخابه وجه بلاتيني انتقادات شديدة اللهجة إلى رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر (79 عاما) الطامح لمواصلة رئاسته للفيفا للمرة الخامسة على التوالي. انتقادات بلاتيني اعتبرها الإعلامي التونسي مراد زغيدي مؤشرا على أن العلاقة بين بلاتيني وبلاتر بلغت مرحلة اللاّعودة.

وفي مقابلة مع الزغيدي حول تصريحات بلاتر:

- لقد طالب بلاتيني  باتحاد دولي "مثالي" و"جدير بالاحترام"، متهما في الوقت ذاته أشخاصا "يحاولون" تقديم أوروبا على أنها "متعجرفة وأنانية"، فكيف يمكن قراءة هذا الخطاب؟
_مراد زغيدي: من الواضح أن ميشيل بلاتيني أراد يوم أمس توجيه سهم مسموم لغريمه السيد بلاتر. في الواقع لم يكن بلاتيني يتصور أن علاقته بالرجل الذي زكى انتخابه رئيسا ليويفا عام 2007 ستشهد توترا إلى هذا الحد. جوزيف بلاتر من جهته يخشى منذ 2012 و2013 قدوم بلاتيني إلى الفيفا، وذلك في وقت بلغ فيه الأخير موقعا وعمرا وظروفا مواتية لطرح نفسه كوجه جديد، وجه شاب للكرة العالمية مقابل رجل من الجيل القديم شهد عهده الكثير من الفضائح عن أموال مشبوهة. ولا ننسى أن الحرب الكلامية بين الرجلين بدأها بلاتر حين وجه أصابع الاتهام لبلاتيني واليويفا بأخذ رشاوى على خلفية مونديال قطر 2022. أعتقد أن بلاتيني يعيد لبلاتر الصاع صاعين، بسبب الحملة الشعواء التي قادها بلاتر ضده بقصد إضعافه داخل أروقة الإتحاد الأوروبي لكرة القدم.
_ هل أفهم من كلامك أن العلاقة بين بلاتيني وبلاتر أو بالأحرى بين اليويفا وبلاتر بلغت مرحلة اللاّ عودة؟
_قد يكون الأمر كذلك! لأن نوعية خطاب بلاتيني لم يكن بالتصريح الصحفي العادي، وإنما كان خطابا رسميا للفائز أمام رؤساء الاتحادات الأخرى، و جاء بلهجة بعيدة عن الدبلوماسية، وهجومية بحتة، ما قد يكون مؤشرا للتوتر النهائي للعلاقات. نعم الحرب اشتعلت بين الاثنين قبل فترة ولكن يجب أن لا ننسى أننا أمام سياسيين لديهما دهاء كبير ولا استبعد أن تعود المياه إلى مجاريها إذا اقتضت المصلحة.

_حسناً، ما هي أوجه الخلافات بين الاثنين، وما هي أهداف بلاتيني الحقيقة؟

_لو حاولنا تلخيص المشهد، يمكن القول أولا إن الاتحاد الأوروبي يحاول اليوم الحصول على وزن أكبر داخل الفيفا، لكون أوروبا تعتبر نفسها مركز قوة الكرة العالمية وهي بالفعل القلب النابض للكرة اقتصاديا، وكل القيمة المضافة والبهرجة الموجودة مصدرها أوروبا. وفي المقابل فإن مصلحة بلاتر مختلفة، هو يريد أن يجعل يويفا اتحادا مثل باقي الاتحادات وصوته مساويا للآخرين، أي أن السبب الأول يتعلق بخلافات ذات طابع "جيوستراتيجي". وهناك أيضا سبب شخصي يتجلى في أن بلاتيني شعر بخيانة بلاتر له حين شغل منصب نائب الأخير. اليوم يريد بلاتيني أن يصبح وريثا لبلاتر. السبب الأخير ذو طابع أخلاقي، فبلاتيني كوجه جديد يمكنه أن يغير بعض الممارسات داخل الفيفا المتعلقة بالفساد المالي والتي ثبت تورط مسؤولين باللجنة التنفيذية داخل الفيفا فيها، ما طرح إشكالا أخلاقيا كبيرا وأعطى صورة "ملوثة" عن الإتحاد الدولي لكرة القدم. وبلاتيني يعرف أن طريقه، وفي هذه النقطة بالذات، معبد وله إمكانية كبيرة لخلافة بلاتر آجلا.

_لا ننسى أن عهد بلاتيني اقترن أيضا داخل يويفا بإرساء قواعد اللعب النظيف، ومع ذلك هناك مؤاخذة على بلاتيني أنه إذا كان بالفعل جادا في انتقاداته لماذا لم يتقدم هو نفسه الآن لمواجهة بلاتر عوض أن يترك احتمالية رئاسة الفيفا للمستقبل؟

_اليوم الخارطة السياسية لانتخابات الفيفا واضحة ولن تمكن بلاتيني من الفوز. بلاتيني رجل سياسة ويعرف أن شبكة العلاقات التي بناها بلاتر في المدة الأخيرة وقواعد العمل المعمول بها، إضافة إلى الحوافر المالية التي يمكن أن يمنحها الفيفا لعدد كبير من الاتحادات حول العالم؛ يمنع بلاتيني من الحصول على العدد الكافي من الأصوات لمواجهة بلاتر. هنا يجب التنويه بأن بلاتيني أخذ موعدا مع المستقبل، ولو أقيمت الانتخابات الآن أو بعد أشهر أو سنة فمن الصعب الفوز ضد جوزيف بلاتر. وهذا دليل على "تعفن" إن صح التعبير للمشهد الإداري داخل الاتحاد الدولي الذي يعد أغنى من دول كثيرة حول العالم وميزانيته تقدر بمليارات الدولارات. ومن ثم فإن السيد بلاتر قادر نظريا بقرار بسيط أن يمنح هبة لأحد الاتحادات بملايين الدولارات وبالتالي الحصول على أصوات هذا الاتحاد، وهذا الأمر غير متوفر لدى بلاتيني، الذي يحاول إضعاف بلاتر من خلال تلويث صورته، لكنه غير قادر على مواجهته انتخابيا.
مراد زغيدي: إعلامي رياضي تونسي يعمل مع العديد من القنوات الإعلامية والعربية والدولية.