"وثيقة المبادئ".. تهديد جديد لمقررات مصر المائية

بالعربي: "سبق السيف العذل"، ووقَّع أمس الاثنين الرئيس عبد الفتاح السيسي شهادة وفاة حصة مصر المائية من مياه نهر النيل تحت مسمى "وثيقة المبادئ"، والتي تم التعتيم على بنودها حتى يتم التوقيع عليها رسميًّا، وتسلم مصر بيديها أمنها ومقدراتها المائية إلى إثيوبيا، التي أصبحت عاصمة إفريقيا وفقًا لتصريحات عمر البشير الرئيس السوداني، عبر وسائل الإعلام لوجود مقر الاتحاد الإفريقي بها، بعد أن كانت مصر في السابق محتلة تلك المكانة الرفيعة، بدليل قطع 34 دولة علاقتها بالكيان الصهيوني في يوم واحد دعمًا لمصر في السبعينيات.

واقتصرت بنود الاتفاقية على مبدأ التعاون والتنمية والتكامل الاقتصادي، والتعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأى دولة، الاستخدام المنصف والعادل للمياه، التعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، مبدأ بناء الثقة، ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، ومبدأ أمان السد، ومبدأ احترام السيادة ووحدة أراضي الدولة، وأخيرًا مبدأ الحل السلمي للنزاعات.

يقول الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن توقيع الاتفاقية يعد خطوة متعجلة لمصر واعترافًا بالسعة الحالية لسد النهضة، بجانب التغاضي عن مبدأ الإخطار المسبق ومبدأ عدم إلحاق الضرر، لافتًا إلى أن إرجاء مناقشة سياسات التشغيل وسنوات الملء للمكتب الاستشاري يمثل نكسة خطيرة لموقف مصر، فيما يتعلق بقضايا المياه ويهدد مستقبل الأجيال القادمة، ويقدم تنازلات غير مسبوقة تنهي الأوضاع القائمة في حوض النيل بشكل كامل، وتبدأ فصلًا جديدًا تمارس فيه إثيوبيا ما يشبه الهيمنة المطلقة على مياه النيل الأزرق.

وأوضح "رسلان" أن الاتفاقية شملت مبادئ عامة وفضفاضة، والاتفاق مع إثيوبيا تم على الاحترام وليس الالتزام، موضحًا أنه كان يجب اتخاذ أي ضمانات للحفاظ على حقوق مصر المائية، مضيفًا أن الوثيقة بهذه الصورة تعد تنازلاً شاملاً وبدون أي مبرر منطقي أو مقابل وتهديد صريح لأمننا القومي، بجانب السماح لإثيوبيا بموجب الوثيقة مستقبلاً بإنشاء سدودها الأخرى بنفس الطريقة تحت شعار سيادتها الوطنية على الموارد المائية وحتى المسار الفني المتعلق بنتائج الدراسات، ولذلك سوف يسأل كل من وقع على تلك الوثيقة؛ لتفريطه في الأمانة الملقاة على عاتقه.

وأكد الدكتور علاء ياسين، مستشار وزير الري للسدود والمتحدث باسم ملف سد النهضة أن النقاط الفنية المتعلقة بسد النهضة سيتم البت فيها عن طريق المكتب الاستشاري، والذي سيتم اختياره خلال أيام، مشيرًا إلى وجود عدة نقاط خلافية بين مصر وإثيوبيا حول مواصفات السد وسياسات التشغيل ستكون من مهام المكتب الاستشاري مع إجراء الدراسات الكاملة لها، حول آثار سد النهضة على دول المصب "مصر ـ السودان"، لافتًا إلى أن الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بمثابة تعهد رسمي بعدم إحداث أي ضرر لأي دولة من الدول المعنية بسد النهضة، والاستخدام المنصف والعادل للمياه، والتعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي.

فيما قال الدكتور نادر نور الدين، خبير الأراضي والموارد المائية: إنه ولأول مرة في التاريخ تكون هناك اتفاقية تتحدث عن سد، وحتى اتفاقية 1959 بين مصر والسودان بشأن السد العالي أطلق عليها اتفاقية تقسيم مياه النيل التي تصل إلى مدينة أسوان، وبالتالي كان ينبغي لمصر أن تتفاوض مع إثيوبيا على المياه وليس على السد، أم أنه في المستقبل كلما شيدت إثيوبيا سدًّا جديدًا سنوقع بشأنه اتفاقية، موضحًا أن إشكالياتنا مع إثيوبيا تتمثل في المياه وليست السدود، فهي لديها 13 سدًّا سابقًا لم نعترض عليها، ونحن مهمومون بهذا السد من ناحية تأثيره على حصة مصر من المياه وليس السد نفسه، لذلك كان لا بد أن تدور المباحثات حول المياه فقط.

وأضاف أن إثيوبيا فرضت إرادتها تمامًا على مصر، حيث إن الأخيرة كانت تريد أن تكون كل من الوثيقة وتقرير المكتب الاستشاري ملزمين، إلا أن إثيوبيا رفضت  كلمة “ملزم”، وأصرت على كلمة "تحترم" فقط، وفرضت رأيها وانصاعت مصر، ثم قررت أن تزيد عمل المكتب الاستشاري إلى 15 شهرًا بدلاً من 5 أشهر الموقعة عليها في الخرطوم. ولا ندري من يحدد فترة عمل المكتب الاستشاري، هل هو المكتب نفسه أم إثيوبيا؟ بجانب رغبة الجانب المصري في الإشارة في الوثيقة إلى حصة مصر من المياه، وهو ما رفضته إثيوبيا أيضًا، وانصاعت مصر، وبذلك فليس لمصر أي حقوق مائية في النيل بعد أن رضخت لإثيوبيا، مشيرًا إلى أن إثيوبيا ستبدأ في بناء سدها الثاني على النيل الأزرق في 2018 وعلينا إعداد وثيقة التوافق على بناء السد المقبل من الآن.