سجن “سركاجي ” .. شهداء الجزائريون يعودون

بالعربي: لم يكن الشهيد الجزائري أحمد زبانة ذو العشرين عاما يتوقع يوما أن قصته ستكون بداية لرواية نصر لكل الجزائريين، ولم يكن الشهيد “علي لابوانت” يعلم أيضا أن قصته التي جرت في زنزانة بسجن سركاجي أو سجن بربروس، ستكون يوما قصة تروى لشعبه دون كلل أو ملل.

ولم تكن الشهيدة حسيبة بن بوعلي ترى أمامها في زنزانة النساء بنفس السجن الشهير، تتوقع خروجها منه أو حتى ستكون صفحة هامة من تاريخ بلدها وتوقع اسمها في شوارعه وفي جامعاته أيضا.


تاريخ مؤلم.. لكنه مفخرة


الجديد هو ما قررته الحكومة الجزائرية بشأن تحويل “سجن سركاجي” إلى متحف يكون شاهدا على ممارسات وفصول من التعذيب خلال الاستعمار الفرنسي في حق مجاهدي ثورة نوفمبر، ليصبح مزارا يؤرخ لفترة هامة من تاريخ الجزائر.
وهي خطوة إيجابية أن تفتح كتاب سجن “سركاجي” ليقرأه الجزائريون ويصبح متحفا يضم الكثير من الصفحات التي تروي قصصا لمن جاهدوا من أجل أن تتحرر الجزائر، حيث أعلن وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، بأن الدراسات التقنية والقانونية المتعلقة بتحويل سجن سركاجي إلى متحف “جارية حاليا”.
ووضعت وزارة العدل مخططا لتحويل السجن إلى متحف موازاة مع الحفاظ على مخطط حماية مدينة “القصبة العتيقة”، حيث كلفت الحكومة الجزائرية لجنة وزارية مشتركة بين وزارتي العدل والثقافة، مكلفة بالدراسات المتعلقة بتحويل هذا السجن إلى متحف لإعادة الاعتبار لهذا المكان، قبل فتحه للجمهور.. بحسب موقع العربية .”

بربروس.. اللحية البيضاء بقلب القصبة


سركاجي.. قصة حقيقية لصرخات مجاهدين ومجاهدات وراءها حكايات، ووراء جدران سجن “سركاجي” أو سجن “بربروس″ بقلب العاصمة الجزائرية، تعمقت جراح الآلاف من الجزائريين إبان الثورة التحريرية الجزائرية.
فالسجن حمل ألف صورة وألف صرخة لأولئك المجاهدين من الملتفين حول جيش جبهة التحرير الوطني، زجت بهم قوات الاحتلال الفرنسي وراء أسواره العالية في قلب منطقة “باب الجديد بالعاصمة الجزائرية، وكانت تسمع آهاتهم من بعيد آهات التعذيب، بكل الوسائل والطرق، ليبقى سجن “سركاجي” مذكورا في الكثير من صفحات التاريخ، ومحفورا في ذاكرة أولئك الذين مازالوا على قيد الحياة وبين قلوب أولئك الذين استشهدوا لتحيا الجزائر، وتحافظ زواياه على ذاكرة الشعب الجزائري.
ويرجع بناؤه إلى العهد العثماني وبالضبط إلى سنة 1565 ميلادي من طرف القائد البحري “خير الدين” التركي (بربروس)، وذلك بعد التدخل العثماني لرد العدوان الإسباني على شواطئ الجزائر، حيث تولى خير الدين الإمارة بعد مقتل أخيه “عروج” وموت عدد من أتباعهم، فتأثر خير الدين كثيرا بالأحداث المؤلمة التي حلت بالجزائر، خصوصا بعدما توفي أخوه الثالث إلياس، ثم عزم على مغادرة الجزائر ولكن بدعوة من السلطان العثماني سليمان القانوني صمم على أخذ الثأر لأخيه، وواصل عمله في محاربة العدو، وتنظيم الحكم بالجزائر، وترتيب الإدارة في القطر كله.
“قسماً”.. هنا طلع النشيد
وقال الباحث في تاريخ الحركة الوطنية والثورة الجزائرية، الأستاذ منتصر أوبترون، أن خير الدين يسمى ” باربروسة” ومعناها “اللحية الشقراء”، التي كانت تميز خير الدين، لذلك سمي الحي الذي يربط القصبة من الأعلى نحو السجن الذي أطلق عليه سجن بربروس، لأن خير الدين كان يزج فيه جميع أعدائه.
وبالتالي كان سجنا منذ عهد الأتراك، وسمي “سركاجي”، وهو اسم اختلفت عليه معاني اللغة التركية، وتعني الرجل الصارم والحارس الشديد.
ورغم ما حمله السجن من آلام لمجاهدي الثورة الجزائرية فإنه أخذ وسام شرف زنزانة كتب فيها شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا نشيد “قسماً”، لتبقى الذاكرة ويبقى “قسماً” رغم ذكرياته المؤلمة، فكم من شهيد عرف جسده جدران “سركاجي”، وكم من وجوه حفظها التاريخ عرفت صدأ قضبانه وبرودة ورطوبة زنزاناته الضيقة جدا.
وقبع في هذا السجن الذي ارتبط اسمه بالقمع الاستعماري، الآلاف من المناضلين السياسيين للقضية الوطنية قبل اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954.
مشاهير كانوا سجناء
واشتهر السجن خلال الثورة التحريرية بعمليات الإعدام الـ58، من بينها 48 بالمقصلة، وأشهرهم أحمد زبانة الذي يعد أول من نفذ في حقه الإعدام بالمقصلة في 19 يونيو 1956 أو فرناند ايفتون، الذي يعد المناضل الوحيد من أصول أوروبية ينفذ في حقه الحكم بالإعدام (13 فبراير 1957).
وعلاوة عن أحمد زبانة ومفدي زكريا، قبع في هذا السجن العديد من رموز الحركة الوطنية على غرار عبدالرحمن طالب وعبان رمضان وهنري علاق وآني شتينر وزهرة ظريف وجميلة بوحيرد وجميلة بوباشة ورابح بيطاط وبن يوسف بن خدة.
وأغلق سجن سركاجي غداة استقلال الجزائر، ثم صنف موقعا تاريخيا ليعاد فتحه سنة 1965، ثم أغلق من جديد، حيث تم تحويل المساجين كلهم منه في نوفمبر 2014″.

الرأي اليوم