الدراما السوريّة تجد ضالّتها: «داعش» في دور البطولة

بالعربي: طلب المخرج نجدة أنزور من «المؤسسة العامّة للإنتاج التلفزيوني» تزويده ببدلات تشبه تلك التي يرتديها مقاتلو «داعش» وأسراهم، لتصوير أحد مشاهد عمله «امرأة من رماد». ليست المرّة الأولى التي يقارب فيها المخرج السوري سلوك الجماعات الإرهابيّة على الشاشة، إذ أنّه يعدّ عرّاب هذا النوع، منذ مسلسل «الحور العين» (2005)، وبعده «المارقون» (2006)، و«ما ملكت أيمانكم» (2010).

أعمال كثيرة قارب عبرها أنزور خطورة الجماعات الإرهابية على المجتمع السوري خصوصاً، والعربي عموماً. في ثلاثية «عزيزة على بابا عمر» في مسلسل «تحت سماء الوطن» (2013)، تناول فتاوى الشيوخ فيما يسمى «زواج السترة» الذي يتمّ فرضه على بعض السوريات في مخيّمات اللجوء العربية.
لم يكن أنزور وحده المنشغل بمعالجة الإرهاب كمادّة دراميّة خلال السنوات الماضية. ففي مسلسل «الحبّ كلّه» (2014) تطرّقت خماسيّة «ما زالت الحافلة تسير» لغسان جبري للموضوع، عبر قصة مراسل صحافي لتلفزيون حكومي يتعرّض للخطف من قبل مجموعة إرهابيّة.
اللافت اليوم في أعمال الدراما السوريّة مع دخول الحرب عامها الخامس، هو ذلك التركيز على محاكاة «داعش» وأخواتها في الكادر التلفزيوني بأكثر من أسلوب. ففي «ضّبوا الشناتي» (2014)، يصوّر الليث حجو اقتحام إرهابيين متطرّفين لإحدى الحارات في دمشق القديمة، رافعين أعلام «داعش»، بأسلوب كوميدي «غروتسك»، يقوم على مسخرة الشخصيات الإرهابية من الداخل، والتعويل على تواطؤ خفي مع القسوة على أنها أصبحت نمط عيش اعتياديا.
تجربة لم تكن يتيمة في محاولة مسخرة الإرهاب في الكوميديا السوريّة. ففي الجزء العاشر من مسلسل «بقعة ضوء» (2014) قدّم المخرج عامر فهد خلال الموسم الماضي أكثر من لوحة في هذا السياق، كان أبرزها «بطيخ مبسمر» و «ليلى الدمشقية»، لعب بطولتها كل من باسم ياخور، وأيمن رضا، وديمة قندلفت، ومعن عبد الحق. لوحات المسلسل الكوميدي الشهير، حاولت إنجاز صيغة كاريكاتورية عن ممارسات الجماعات الإسلامية المتشدّدة، خصوصاً في مدينة الرقة وشمال حلب، مثل تحويل النساء إلى جوارٍ وتطليقهنّ من أزواجهنّ لوهبهنّ كسبايا لأمراء «داعش»، فضلاً عن تحريم الخمر والموسيقى وتكريس مفاهيم «دولة الخلافة» الموعودة.
المخرج أحمد ابراهيم أحمد يتناول الإرهاب في مسلسل «عناية مشدّدة»، المرتقب عرضه في الموسم الرمضاني القادم. يتناول العمل سلوكيات الجماعات الإسلامية المتطرّفة، من خلال قصص واقعيّة، من صلب يوميّات الأزمة. يركّز المسلسل على شخصيّة امرأة حمصيّة تتعامل مع المتطرفين لتقطيع أجساد الجنود السوريين، والمتاجرة بأعضائهم، عبر شبكة مافياوية مكونة من مقاتلين وأطباء فاسدين. تقوم بأداء هذا الدور الفنانة أمانة والي، ومن خلال أكثر من مستوى سردي للأحداث، تظهر فيها أيضاً العمليات الانتحارية في شوارع دمشق.

يبدو أنَّ «داعش» تمدّد في الفن، مثلما يحاول أن يتمدّد في الجغرافيا السوريّة. واقعيّة سوداء وقاتمة ربما تدخلها الدراما السوريّة بعد دخول البلاد غيبوبة الحرب الدموية... والخوف كلّ الخوف أن يتمّ تكريس «داعش» كظاهرة عبر الشاشة.