ديبلوماسية أوباما.. وسياسة الكونغرس البريدية..نجاة شرف الدين

بالعربي-نجاة شرف الدين: يبدو أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما قد اتّخذ قرار المواجهة وعدم السكوت على "الحرب المفتوحة" التي أعلنها الجمهوريون ضدّه لحظة تسلّمهم مقاعدهم في الكونغرس.

هي حرب تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وتؤشر إلى مرحلة طويلة ستمتد إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2016، وتبدأ بسياسة التعطيل الداخلية من خلال عدم تمرير القرارات أو عرقلتها، كما فعل الجمهوريون في مشروع الموازنة، ولا تنتهي بالتدخل في السياسة الخارجية، التي يحددها رئيس البلاد عادة.

ولعلّ أبرز فصول تدخل الجمهوريين في السياسة الخارجية الأميركية تمثّل في قيام 47 سيناتورًا بتجاوز البيت الأبيض، وتوجيههم رسالة إلى الإيرانيين لحثّهم على عدم إبرام أي اتفاق نووي، لن يكتب له الاستمرار إذا لم تتم الموافقة عليه من الكونغرس، مع الإشارة إلى أن أي رئيس جمهوري جديد يستطيع أن يلغيه.

وبرغم ذلك، فإن هذا التجاوز سرعان ما انقلب على الجمهوريين أنفسهم، ذلك أن كل محاولات التدخل في السياسة الخارجية لم تحقق أية مفاعيل، لا عند الإيرانيين، الذين أصرّوا على استكمال المفاوضات النووية، ولا على المستوى الداخلي، حيث برز انزعاج شديد لدى الأميركيين على خلفية الإهانة التي تعرض لها الرئيس الأميركي.

ولعل كل ذلك قد دفع ببعض الموقِّعين على الرسالة إلى التراجع، ومن بينهم السيناتور جون ماكين الذي قال إن الخطوة الجمهورية "ربما لم تكن فكرة جيدة"، برغم تمسكه بموقفه الرافض للاتفاق النووي.

وعلى هذا الأساس، وصف بعض المراقبين الرسالة، التي أرادها الجمهوريون صفعة لأوباما، بالخطوة الناقصة، التي جاءت بعد خطوة ناقصة أخرى، تمثلت في دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى إلقاء خطاب في الكونغرس في الثالث من آذار الحالي، وهي بدورها كانت خطوة لم تحقق أي جديد، ولم تستطع تغيير مجرى الخطوات الأميركية ـ الإيرانية.

في حسابات الربح والخسارة، شعر أوباما بأنّ الجمهوريين أخطأوا.

وبرغم تصريحات الإدارة الأميركية التي انتقدت تلك الرسالة، إلا أن الرئيس الأميركي أصرّ على التحدث شخصيًّا عبر مقابلة متلفزة للإعراب عن دهشته واستغرابه لهذا التصرف من قبل الكونغرس، قائلًا: "أنا مُحرج عنهم بهذه الرسالة التي وجههوها الى رجال الدين الإيرانيين. يقولون لهم: لا تتعاملوا مع رئيسنا لأنه لا يمكن الوثوق به".
ويبدو أن التداعيات التي أحدثتها الرسالة قد وسّعت الشرخ الموجود بين الجمهوريين والديموقراطيين، لا سيما أنّها أتت مع اقتراب انتهاء مهلة التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما اضطرّ الموقّعين على الرسالة إلى خوض حملة للدفاع عنها، بعدما ارتدّت عليهم في الداخل.

السيناتور الجمهوري طوم كوتون، الذي قاد حملة التوقيع وكتابة المضمون، بقي مصرًّا على فكرة أنّه لم يؤذِ الرئاسة، حتى أنه دعا أوباما إلى استخدام الرسالة للحصول على "اتفاق جيد".

أما زميله السيناتور عن ولاية ميسوري روي بلنت فرفض الاعتراف بأن الرسالة سيئة، محذرًا من أنّ إيران تزعزع منطقة الشرق الأوسط.
من جهته، أعرب السيناتور الجمهوري روجر والكر عن دعمه للرسالة، مستشهدًا بموقف نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس حين قال إنّ إيران تخيفه أكثر من "داعش".
وضمن الحملة الدفاعيّة، قال السيناتور تيم كاين إنّ أيّ اتّفاق يتعلّق بمسألة العقوبات، سيدرس في الكونغرس، مضيفًا: "إذا كانوا يريدون العقوبات الدولية، فباستطاعتهم الذهاب إلى الأمم المتحدة. أما العقوبات الأميركية فلا تمر من دون الكونغرس ضمن فترة 60 يومًا لدراستها".

ردُّ أوباما على حملة الجمهوريين ضدّه تَزامَنَ مع حملة إعلانية ديموقراطية مضادة عبر إعلان يتناول موضوع الاتفاق مع إيران: "قولوا للكونغرس لا تستعجلوا الحرب... دعوا الديبلوماسية تعمل".

وتعكس الحملات المتبادلة مدى التوتّر بين الطرفَين مع اقتراب موعد الاتفاق المبدئي، فوزير الخارجية جون كيري أمل في أن يتم التوقيع على الاتفاق في الأيام المقبلة، برغم تعبيره عن قلقه الواضح، بحسب ما قال مستشاره لصحيفة "نيويورك تايمز"، حين أشار إلى أن "أيَّ اتفاق سيكون تحولًا ثقيلًا في الكونغرس"، قبل أن يضيف: "صحيحٌ أنّ فرص الاتفاق كبيرة الآن، غير أنّ فرص انهياره سياسيًّا عالية أيضًا".

وبرغم العقبات التقنية التي تظهر في الساعات الأخيرة في سباق المحادثات النووية، والتي يعمل وزير الطاقة الأميركي إرنست مونيز على التفاوض بشأنها، إلّا أن إزالة العقوبات تبقى المفتاح الأساس.

ومن هنا جاءت الخطوات الأوروبية الموازية في الأمم المتحدة، بحسب مصادر مطلعة تحدّثت إلى "السفير" قائلة إنّ "العمل المواكب للمفاوضات بدأ التحضير له عبر البحث في كيفية إصدار قرار دولي ملزم - تحت الفصل السابع ـ يقضي برفع العقوبات الدوليّة عن إيران من أجل تسهيل تنفيذ الاتفاق"، وبذلك يصبح الاتفاق مُلزِمًا حتى بعد أن يتغيّر رئيس الولايات المتحدة، علمًا بأن القرار الملزم هو في الأساس مطلب إيراني منذ بدء المحادثات.

وكثرت التعليقات التي صدرت عقب موقف كيري الأخير بشأن سوريا، وتحديدًا في قوله إن الولايات المتحدة ستضطر، في نهاية المطاف، إلى إجراء مفاوضات مع الرئيس السوري بشار الأسد لإنهاء الصراع الدامي، وثمة من رأى أنّ توقيت التصريح، لجهة تزامنه مع اللقاء التفاوضي في جنيف، يعدّ رسالة حسن نيات سياسية، إلّا أنّ التعليقات الأبرز جاءت عبر أحد المقربّين من الحزب الديموقراطي الذي قال: "ماذا سيفعل الكونغرس الآن؟ هل سيوجه رسالة يطلب فيها من الأسد عدم قبول التفاوض مع أميركا؟".