مركز أبحاث الأمن القوميّ: قلق إسرائيليّ عارم من انخفاض تعلّق مصر بأمريكا وإبرامها صفقات أسلحة مع روسيا

بالعربي: على الرغم من شهر العسل الذي تمرّ فيه العلاقات المصريّة-الإسرائيليّة، وتحديدًا في مجال التنسيق الأمنيّ، إلا أنّ تل أبيب لا ترى بعين الرضا المساعي المصريّة الحثيثة للتسلّح بأحدث الوسائل القتاليّة من روسيا ومن فرنسا، لأنّ الأمر يُقلل إلى الحد الأدنى تعلق المصريين بالمساعدات وبالمعونات التي تتلقاها القاهرة من الولايات المتحدّة الأمريكيّة.

وفي هذا السياق أعدّ مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ دراسة جديدة عن صفقة الأسلحة التي تمّ إبرامها بين باريس والقاهرة، والتي تصل تكلفتها إلى 5.2 مليار يورو، أيْ ما يُعادل 5.9 مليار دولار، تقوم فيها فرنسا بتزويد مصر بمُقاتلات حربيّة حديثه من طراز Rafale.
وبحسب الدراسة الإسرائيليّة فإنّ تمويل الصفقة سيتّم كالتالي: نصف المبلغ ستقوم بدفعه دول خليجيّة هي المملكة العربيّة السعوديّة، الإمارات العربيّة المتحدّة والكويت، أمّا النصف الثاني فسيكون عبارة عن قروض تجاريّة تقوم بضمانها الحكومة الفرنسيّة نفسها. وأوضحت الدراسة أنّه على الرغم من أنّ الصفقة المذكورة أثارت ردود فعل عنيفة في فرنسا ضدّ توقيعها بسبب قيام المقاتلات المصريّة بقصف ليبيا، والاتهامات المُوجهة للنظام الحاكم في القاهرة بخرق المبادئ الأساسيّة لحقوق الإنسان، إلّا أنّ الصفقة تُعتبر بشرى سارّة جدًا بالنسبة للحكومة الفرنسيّة جهودها لم تتمكّن من تسويق هذا الطراز من المقاتلات الحربيّة.

ورأت الدراسة أنّ الصفقة تفتح الأبواب على مصراعيها أمام التدّخل الفرنسيّ في مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط، كما أنّ الصفقة، بحسب الدراسة الإسرائيليّة، تمنح فرنسا الإمكانية لتوسيع سوق بيع أسلحتها، خصوصًا في دول الخليج العربيّ، إذْ أنّ قطر والإمارات العربيّة المتحدّة تُعتبران من الدول التي تفاوضهما باريس لعقد صفقات أسلحة معهما.

علاوة على ذلك، شدّدّت الدراسة على أنّ الرئيس الفرنسيّ السابق، نيكولا ساركوزي، والرئيس الحاليّ، فرانسوا هولاند، وضعا نصب أعينهما هدفًا لاقتحام منطقة الشرق الأوسط عن طريق التوقيع على صفقات أسلحة كبيرة جدًا، مُشيرةً إلى أنّ القاعدة البحريّة الفرنسيّة في أبو ظبي، تدخل في إطار السياسة الفرنسيّة المذكورة، حسبما ذكرت الدراسة.

أمّا بالنسبة لمصر، أوضحت الدراسة، فإنّ معنى الصفقة هو سياسيّ بامتياز، ذلك أنّ القاهرة ومنذ التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل (كامب ديفيد) تلقّت معونة أمريكيّة سنويّة بقيمة 1.3 مليار دولار، كما حصلت على أسلحة أمريكيّة، كما أنّ جميع الوسائل القتاليّة المصريّة في الثلاثين عامًا الماضية تمّ شراؤها من أمريكا، ولكن مع بدء التحولات الأخيرة في مصر، في العام 2011، وقع الخلاف بين القاهرة وواشنطن وانهارت عمليًا الثقة المتبادلة بينهما، وخصوصًا بعد أنْ قامت أمريكا بتجميد قسم من المعونة الأمريكيّة لمصر، كردّ فعلٍ على الإطاحة بالرئيس المصريّ المعزول، محمد مرسي، هذه التطورّات، شدّدّت الدراسة الإسرائيليّة، دفعت بصنّاع القرار في مصر إلى التوصّل لنتيجة مفادها أنّه لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال الاعتماد فقط على الولايات المتحدّة الأمريكيّة، وبالتالي تقرر البحث عن دولٍ أخرى لإبرام صفقات شراء أسلحة معها، وكان من الطبيعيّ جدًا، أوضحت الدراسة، أنْ تكون روسيا وفرنسا، هما الدولتين اللتين ستتوجّه إليهما مصر.

ولكن على الرغم من هذه التغييرات والمُستجدّات، شدّدّ دراسة مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، فإنّه من غير المعقول أنْ تتنازل مصر عن علاقاتها التاريخيّة مع الولايات المتحدّة، ذلك أنّ السواد الأعظم من الأسلحة التي يمتلكها الجيش المصريّ هو من صناعة أمريكيّة، كما أنّ القاهرة ليست معنية وغير قادرة على التنازل عن المعونات العسكريّة الأمريكيّة. ولكن بموازاة ذلك، أعربت الدراسة الإسرائيليّة عن تأكيدها على أنّ صفقة الأسلحة المصريّة-الفرنسيّة الأخيرة تُعبّر عن إصرار الرئيس المصريّ، المُشير عبد الفتّاح السيسي، بتقوية الجيش المصريّ وباقي الأجهزة الأمنيّة المصريّة، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلاد النيل، وذلك بهدف محاربة التنظيمات الإسلاميّة الإرهابيّة، التي تعمل وبشكلٍ خاصٍ في شبه جزيرة سيناء، وبناءً على ذلك، أضافت الدراسة، فإنّ الولايات المتحدّة هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها منح مصر الأسلحة التي ترغب بها لمحاربة الإرهاب المتفشي في سيناء وبالتاي أكّدت الدراسة فإنّ صفقات الأسلحة المصريّة مع كلٍّ من روسيا وفرنسا هي بمثابة رسالة سياسيّة واضحة إلى الولايات المتحدّة مفادها أنّ القاهرة ليست متعلقةً بها لوحدها، حسبما قالت الدراسة.

ورأت الدراسة أنّ إسرائيل معنية بأنْ تكون مصر متعلقة جدًا بأمريكا، وبالتالي فإنّ تخفيض تعلق القاهرة بواشنطن له مدلولات سلبيّة جدًا على تل أبيب. علاوة على ذلك، أوضحت الدراسة أنّ صفقات الأسلحة التي تقوم مصر بإبرامها مع موسكو وباريس تزيد من تعلّق مصر بدول الخليج العربيّ، إذْ أنّ نظام الرئيس المصريّ السيسي، مُدان للملكة العربيّة السعودية، والإمارات العربيّة المتحدّة والكويت، لأنّ هذه الدول قامت بتقديم المعونات الاقتصاديّة لمصر، هذه المعونات التي تمنع انهيارها، بحسب الدراسة الإسرائيليّة، وبالتالي فإنّ تمويل صفقات الأسلحة المصريّة من قبل دول الخليج سيجعل مصر دولةً تابعةً بالمُطلق لدول الخليج المذكورة.
ومن الناحية الثانية، أكّدت الدراسة، على أنّ الدول الخليجيّة تحتاج كثيرًا إلى منزلة مصر الدوليّة وإلى موقفها من إيران ومُحاربتها للتنظيمات الإسلاميّة المتشدّدّة.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه في حقيقة الأمر، اليوم تتساوق المصالح الإسرائيليّة، المصريّة ومصالح دول الخليج فيما يتعلّق بالتهديد الإيرانيّ وبمحاربة الإسلام المتطرّف، فمن غير المتوقّع بتاتًا أن تُمّس المصالح الحيويّة التكتيكيّة والإستراتيجيّة لإسرائيل عقب تخفيف تعلّق مصر بالولايات المتحدّة الأمريكيّة، مع ذلك يجب التذكّر والتذكير أنّ هذه الخطوات تمنح مصر مزيدًا من الحريّة والاستقلاليّة في سياستها الخارجيّة، أيضًا في كلّ ما يتعلّق بعلاقتها مع إسرائيل، على حدّ تعبير الدراسة.