"أيام بيروت السينمائية" الثامنة.. سينما المعاناة السورية والقهر الفلسطيني

بالعربي: تُكافح "أيام بيروت السينمائية" من أجل استمرارية وجودها في المشهد الثقافي ـ الفني اللبناني، تُصرّ على مقارعة التحدّيات القاسية، كي يبقى لبيروت مهرجان سينمائي عربي.

تريد كسر المألوف في المهرجانات المحلية، فتختار السينما العربية عنواناً، وتتحرّر من وطأة المنافسة والمسابقات، وتحاول أن تجد دائماً ما يُعينها على تنظيم دورات تُقام مرة واحدة كل عامين.

بين 12 و21 آذار 2015، تُقيم دورتها الثامنة في صالة سينما «متروبوليس» (مركز صوفيل، الأشرفية)، بالإضافة إلى مكانين آخرين يُضافان إلى الصالة الرئيسية هذه: «سينما سيتي أسواق بيروت»، حيث تُقام حفلة الافتتاح التي يتخلّلها عرض «تمبوكتو» للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، بحضور الممثل الرئيسي فيه إبراهيم أحمد، و «فندق سمولفيل» (بدارو)، وفيه، بالإضافة إلى ورش عمل ولقاءات، برنامج «أيام كلاسيكية»، المتضمّن تكريماً للممثلتين الراحلتين اللبنانية صباح والمصرية فاتن حمامة، بعرض فيلمين للمصري هنري بركات: «القلب له واحد» (1945)، وهو أول ظهور سينمائي لصباح، و «أفواه وأرانب» (1977) أحد أجمل أفلام الثنائي بركات ـ حمامة.

الـ«أيام» نافذة للسينما العربية الحديثة الإنتاج، تتيح للمهتمّ مشاهدة بعض عناوينها المنتجة في بلدان مخرجيها، أو في دول الاغتراب. تنويع ضروريّ، واختبارات بصرية، وقراءات درامية وجمالية لأحوال أناس ومجتمعات. «الحدث العربي» بمكوّناته التخريبية والدموية العنيفة، حاضرٌ روائياً ووثائقياً. أبرز العناوين وأهمها: «ماء الفضّة، سوريا ـ صورة ذاتية» للثنائي أسامة محمد ووئام سيماف بدرخان.

هناك أيضاً «سلّم إلى دمشق» لمحمد ملص، و «العودة إلى حمص» لطلال ديركي، و «رسائل من اليرموك» للفلسطيني رشيد مشهراوي، و «شباب اليرموك» للفرنسي أكسل سالفاتوري ـ سينز، و «أنا مع العروسة» للفلسطيني خالد سليمان الناصري والإيطاليين غبريال دل غراندي وأنتونيو أوغليارو، و «الرقيب الخالد» للسوري زياد كلثوم. الأول جَمعٌ للقطات مُصوّرة بتقنيات مختلفة، وبناء بصري يصنع من الموت نشيداً للحياة، ويخوض معركة الصورة في مواجهة القتل والتعذيب، ويفتح أفقاً فنياً لنقاش حول معاني التصوير والسينما والحياة والهجرة والعيش على التخوم المخيفة للخراب.

الثاني يدخل منزلاً دمشقياً يضمّ شباباً سوريين من طوائف وطبقات اجتماعية مختلفة، في ظلّ الخراب نفسه الحاصل في الجوار، كي يروي فصولاً من حكاية الفرد ـ الإنسان في مواجهة قدره ومخاوفه ورغباته وهواجسه، وكي يقول شيئاً عن قسوة الانقلاب المدوّي في المسار الحياتي للسوريين.

الثالث متابعة لحكاية حمص عبر 3 شباب: الرياضي عبد الباسط (حارس مرمى سابق للمنتخب السوري للشباب في كرة القدم) والناشط الإعلامي أسامة الحمصي، والمخرج نفسه، الذي يروي تفاصيل رحلته في الجحيم الذي يُصنع يومياً في حمص.

الرابع عبارة عن رسائل من مخيّم اليرموك، ملتقطة في لحظات صعبة، ومنحازة إلى الحياة في مواجهة الموت. الخامس متعلّق بالمخيّم نفسه، عبر شباب يحكون عن الهجرة والحياة والانفعالات.

«أنا مع العروسة» يروي قصص 5 مهاجرين سوريين وفلسطينيين إلى ميلانو، تمهيداً لانتقالهم إلى السويد. الفيلم الأخير ينطلق من سؤال: ماذا يحدث حين يجد السينمائيّ نفسه جندياً في معركة طاحنة؟ إذ إن المخرج نفسه يُصبح رقيباً مجنّداً في إحدى المعارك الطاحنة في فصول الخراب السوري (المليحة، غوطة دمشق الشرقية).

هناك أفلام أخرى أيضاً، اثنان أردنيان: «المجلس» ليحيى العبدالله («السفير»، 29 كانون الأول 2014) و «ذيب» لناجي أبو نوّار («السفير»، 29 كانون الثاني 2015): الأول حكاية مدرسة صغارٍ يمارسون حقّهم في الانتخاب، ويكشفون بعض البؤس المعتمل في بيئة ومجتمع ومؤسّسات. الثاني حكاية الصبيّ ذيب ورحلته في الحياة بحثاً عن خلاص وعن لقاء مع الذات والعالم (تبدأ عروضه التجارية اللبنانية في 19 آذار 2015). و3 فلسطينية: «عيون الحرامية» لنجوى النجّار و «رُوشمْيا» لسليم أبو جبل («السفير، 31 كانون الأول 2014)، و «المطلوبون الـ 18» للفلسطيني عامر الشوملي والكندي بول كوان.

في الأول، حكاية مناضل يعود بعد غياب بحثاً عن ابنته. في الثاني، متابعة سينمائية دقيقة لحكاية الزوجين العجوزين يوسف حسان وآمنة في مواجهة قرار بلدية حيفا بإزالة كوخهما في الوادي لإنشاء نفق. الثالث محاكاة ساخرة تمزج الوثائقي بالتحريك، وتروي قصّة أبناء مدينة بيت ساحور أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى (تدور الأحداث في العام 1988)، الذين يشترون 18 بقرة لصنع الحليب، قبل أن تنقضّ عليهم قوات الجيش الإسرائيلي. لكن الحكاية أبعد من هذا وأعمق، لتوغّلها في يوميات أناس يُتقنون المواجهة ولا يهابون القمع ويعرفون معنى الحياة.

هذه نماذج. البرنامج يتضمّن عناوين عديدة، بعضها مفتوح على أسئلة السينما والصورة والحياة والتفاصيل، وبعضها الآخر مهموم بالذاتيّ في التعامل مع الكاميرا.