بعوض نمرود

بالعربي:كتبت أسيل عبد الحميد أمين:

 تدمير الآثار في الموصل وقبلها في أفغانستان يحتاج إلى الشجاعة والاعتراف بأن تخلف الامة الاسلامية يعود الى اخذها برأي واحد والزام الجميع به.
قبل آلاف السنوات، قتلت بعوضة الملك نمرود، وها هي البعوضة تعود اليوم لكن على شكل هيئة تشبه البشر لتعيد قتل نمرود الحضارة والتاريخ والأساطير وليس نمرود الملك. هذا ما قام به ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش يوم الخميس الماضي بعد أن قاموا بسحق مدينة نمرود الأثرية بالجرافات ليعلنوا إعدام ما تبقى من حضارة كانت سائدة منذ آلاف السنوات.
هذا العمل ليس الأول ولن يكون الأخير، فقد دمر طالبان بكل فخر واعتزاز أكبر تمثالين لبوذا في أفغانستان قبل سنوات! وقبل أيام دمر الداعشيون الآثار الآشورية ومقتنيات متحف الموصل الذي يتجاوز عمر القطع فيه عشرات القرون. هذا التدمير استنكرته منظمات دولية ووصفته بأنه «جريمة حرب» لأنها تعلم القيمة التاريخية والحضارية والأسطورية لهذه الآثار ولا سيما في بلاد الرافدين أقدم حضارة إنسانية في التاريخ البشري.
في قرارة أنفسهم، يعتبر الداعشيون ما قاموا به «نصرا للإسلام على الأوثان» أو كما قال الملا عمر: «لأن أبعث يوم القيامة محطم الأصنام خير لي من أن أبعث بائع الأصنام». وإذا حاولنا استكناه صدور الغالبية من المسلمين فإنهم يؤيدون تدمير الأصنام والأوثان، دون الأخذ بالاعتبار أنها تركة حضارية وإنسانية وفنية، بل ينظرون إليها بعين واحدة فهي مجرد أوثان وأصنام «محرمة» واجب تحطيمها.
وبشيء من الاعتراف والمكاشفة، فإن النظرة الأحادية الجامدة سبب رئيسي في تراجع وتخلف الأمة الإسلامية، لأنها تحد أفق التفكير النقدي وتكتفي برأي واحد، بل «الالتزام وإلزام الجميع» بهذا الرأي الصادر من فئات تحاول امتلاك حق إصدار الأحكام والآراء ومن يخالفها الرأي فهو «ليس منا». هذه الفئة تشبه الداعشيين من حيث المضمون والمنهج لكنها تطرح نفسها بشكل «أكثر مدنية وتطورا»، وينتشرون في وسائل الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وهي الفئة الأخطر لأنها تسعى إلى سلب العقول والعواطف لكي يصدقوهم ويتبعوهم، وبالتالي السيطرة على المجتمعات بسهولة وقيادتها لتحقيق مصالح ومآرب كبرى يهدف إليها هؤلاء.
إرث تاريخي وحضاري يدمر في العراق، وعقول دمرت ولا تزال تدمر في بلاد العالم الإسلامي، وهذا ما أدى إلى كل تلك النتائج، عملية الإنقاذ لا تكون بكي النتائج بل بمحاربة أمراض الفكر بالوقاية والعمل على تغيير النظرة الأحادية الجامدة، التي حتما ستؤدي إلى ما هو أسوأ من ذلك.