حول الوضع الفلسطيني: الحصار ثمار تواطؤ عباس والسلطة المصرية

بالعربي: كوفئ الشعب ومقاومته في قطاع غزة على الانتصار العسكري بتشديد الحصار عليهما، وبمنع إعادة الإعمار. الأمر الذي ولّد حالة استثنائية سياسياً واقتصادياً ونفسياً وحياتياً. فهنالك عشرات الألوف بلا مأوى وعشرات الألوف من الطلبة والجرحى والمحتاجين إلى السفر لا يستطيعون الخروج من معبر رفح. ولا تسل بعد ذلك عن الجوعى والمرضى والمرتجفين برداً، ولا تسل عن الآثار النفسية لهذه الحالة التي طال أمدها وما من مؤشر على نهاية قريبة لها.

هذا الحصار، وبلا لف ودوران، تضربه السلطات المصرية وبتواطؤ من محمود عباس وسلطة رام الله. أما الحصار من جانب الكيان الصهيوني فأمره مفهوم، وعلاجه معلوم، وهو مع ذلك أقل وطأة من الحصار الآخر.
هذا الحصار، كما كل حصار، يحمل هدف الإخضاع لشروط ضارب الحصار. وقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مؤتمر المانحين الذي عقد في القاهرة أن إعادة الإعمار تتم على محورين: محور تهدئة دائمة ومحور إعادة سلطة رام الله الكاملة على قطاع غزة. الأمر الذي يعني وضع يدها على سلاح المقاومة وأنفاقها، وتحويل الوضع الأمني في قطاع غزة إلى النموذج الأمني في الضفة الغربية وبالطبع اعتقال كل خلايا المقاومة، بل كل من يفكر بالمقاومة، وهو اختصاص الأجهزة الأمنية التي بناها دايتون وحدّد أهدافها.
وعزز الرئيس محمود عباس هذا التوجه بتكرار الإعلان أن لا مصالحة فلسطينية – فلسطينية إلاّ على أساس قرار واحد للسلم وللحرب، وسلاح واحد، وسلطة واحدة. ومن هنا يأتي التواطؤ مع الحصار، وأيضاً بلا لف ودوران.
أثبتت الأشهر الممتدة من آب/أغسطس 2014 إلى اليوم (ولا نتحدث عن الحصار قبل حرب 2014 وفي أثنائها) بأن الشعب والمقاومة في قطاع غزة مصممان على الصمود وعدم الاستجابة لشروط تجريد قطاع غزة من سلاح المقاومة وأنفاقها واستعداداتها للحرب مع العدو الصهيوني. ولكن يبدو أن السياسة الرسمية المصرية أشد تصميماً على مواصلته، مع الإيحاء، بشكل أو بآخر، ومن خلال الإعلام، أن ثمة احتمالاً للتدخل العسكري من جانب مصر في قطاع غزة. وقد اضطرت بعض القيادات الفلسطينية للرد على هذه الحملات الإعلامية التي تدق طبول الحرب التي لا يسمح بها أي تقدير سليم للموقف.
ولكن إذا افترضنا أن كل الموانع التي تحول دون وقوع تلك الحرب ما كان منها متعلقاً بأواصر العروبة والإسلام والتاريخ والجغرافيا، أو ما كان متعلقاً بالعقلانية والتقدير الصحيح للوضع والنتائج، قد سقطت وتغلب اللامعقول، فإن تلك الحرب ستكون بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني الذي لا يمكن أن يسمح بها من دون موافقته. الأمر الذي يعني أنه شريك فيها. وبهذا يُسهِّل الأمر على المقاومة لترد بصواريخها على الجيش الصهيوني ودخول الحرب مجدداً معه، وليس مع الطرف المصري – الفلسطيني لا سمح الله.
إن استمرار حصار قطاع غزة واستمرار سياسات نزع سلاح المقاومة يجب أن يتوقفا، بل ويوجبا على كل الحريصين على المقاومة وعلى مصر وعلى القضية الفلسطينية أن يرفعا الصوت ضد الحصار وضد تلك السياسات فالصمت على الوضع القائم في قطاع غزة أصبح يتحول إلى فضيحة وخطيئة لا تغتفر.
أما الوضع في الضفة الغربية فله وجهان كذلك: وجه صامد مفاوم يتحفز للانتفاض ضد الاحتلال والاستيطان، ووجه محاصر باستشراء الاستيطان الذي راح يقضم في الضفة الغربية حتى مزقها ويكاد يجعلها كالفُتات وهو مترافق مع القمع المستمر من جانب الاحتلال لكل تحرك شعبي ومقاوم.
المشكل في وضع الضفة الغربية يتمثل في الأجهزة الأمنية والسلطة الفلسطينية وسياسات الهروب إلى المؤسسات الدولية. الأمر الذي يحول دون انطلاق انتفاضة في الضفة الغربية تحبط كل مخططات الاستيطان وتجعل استمرار الاحتلال مُحالاً. وهو ما يجعل احتمال انطلاق الانتفاضة من القدس أقوى بسبب تحرّرها من وجود الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
هنالك اتفاق أمني بين سلطة رام الله وحكومة الكيان الصهيوني وبالرعاية الأمريكية يقضي بعدم السماح بمقاومة مسلحة للاحتلال أو بانتفاضة شاملة تستهدف دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى. فأقصى ما هو مسموح به هو مقاومة شعبية جزئية محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع. ويُراد منها تغطية سياسات المفاوضات واستراتيجية التسوية واللجوء إلى المنظمات الدولية عند فشل المفاوضات والدخول في المأزق الخانق.
الكيان الصهيوني في حالة تراجع ويعاني من أزمة دولية حتى مع داعميه التقليديين. وقد هُزم في حروبه مع المقاومة في لبنان، ومع المقاومة في قطاع غزة، وكانت حرب 1014 هزيمة عسكرية مدوية لم يتوقع حدوثها ميدانياً مما جعله يحجم عن الرد على الصفعة العسكرية التي تلقاها من المقاومة في مزارع شبعا، طبعاً فضلاً عن خوفه من طول باعها.
التدقيق في العدو الصهيوني عسكرياً وسياسياً ودولياً ولا سيما ما فقده من رأي عام غربي كان متعاطفاً معه، كما التدقيق في التراجع الذي أصاب الولايات المتحدة عالمياً وإقليمياً وعربياً وهي سنده الدائم، يجعلان من المشروع توقع عدم صموده في مواجهة انتفاضة تندلع في القدس والضفة الغربية.
ومن هنا يتبين فداحة الدور الذي تلعبه سلطة رام الله وعلى رأسها محمود عباس في الاستمرار بالاتفاق الأمني ومطاردة المقاومة وشباب الانتفاضة. ناهيك عن الإسهام بتشجيع سلبية الموقف الرسمي العربي الذي يختبئ من ورائها.
وفي المقابل يجب أن نتصوّر كيف سينقلب الوضع لو تحققت مصالحة فلسطينية على اساس تبني أسلوب المقاومة والانتفاضة بموقف فلسطيني موحد أو في الأقل جمدت السلطة اتفاقها الأمني، ووقفت على الحياد بين الاحتلال الصهيوني وانتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس، وما ستولده من تداعيات فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ورأياً عاماً عالمياً.

بقلم:منير شفيق