تونس تعترف رسميا بحكومتي ليبيا المتصارعتين

بالعربي: تحتفظ حركة النهضة التونسية بعلاقات متينة مع بعض المكونات السياسية التي تسيطر على الغرب الليبي، أي جماعة المؤتمر الوطني العام والحكومة المنبثقة عنه المدعومة بما يسمى بـ»قوات فجر ليبيا». وقد أثرت هذه العلاقات المتينة على المواقف الرسمية التونسية خلال فترة رئاسة المنصف المرزوقي، حيث لم يعترف الأخير، الذي كان حليفا للحركة الإسلامية التونسية، بنتائج الإنتخابات التي أفرزت برلمانا جديدا في ليبيا انبثقت عنه حكومة ترأسها عبد الله الثني لم تتمكن من احتلال مواقعها في العاصمة طرابلس وظلت ترابط بمدينة طبرق في أقصى الشرق الليبي.

وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية اللتين شهدتهما تونس نهاية 2014 واللتين أنهى بهما التونسيون فعليا مرحلتهم الإنتقالية التي دامت ثلاث سنوات، وصل إلى الحكم طيف سياسي علماني، هو حركة نداء تونس، لا يرتبط بذات العلاقات المتينة التي كانت لأسلافه مع جماعة طرابلس. فكان متوقعا أن تتغير السياسة الخارجية التونسية تجاه ليبيا لتقطع مع تلك المساندة غير المشروطة لجماعة المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، ومع حكومة عمر الحاسي المنبثقة عنه ومع داعميه من قوات فجر ليبيا، وهو ما يبدو أنه في طريقه إلى التحقق وذلك بعد تصريحات وزير الخارجية في الحكومة التونسية الجديدة الطيب البكوش.

مصالح الجالية

فقد صرح «سيد الديبلوماسية التونسية» الذي تسلم مهامه للتو، بمعية باقي أعضاء حكومته، بما مفاده أن في ليبيا حكومتان شرعيتان ووجب التعامل مع كليهما حفاظا على مصالح الجالية التونسية في ليبيا. وينتمي السواد الأعظم من التونسيين المقيمين في ليبيا إلى فئة العمال البسطاء الذين يتحملون الظروف القاسية وتدهور الأوضاع الأمنية من أجل الحصول على لقمة العيش.
ولتونس أيضا صحافيين مختطفين في ليبيا، هما سفيان الشورابي ونذير القطاري، بقي مصيرهما مجهولا وتتضارب الروايات بشأن مكان تواجدهما، وتحدثت أنباء غير مؤكدة في وقت سابق عن فرضية ذبحهما من قبل جماعات تكفيرية ليبية. ويثير غيابهما حفيظة الرأي العام الوطني الذي يخشى هلاكهما ويضغط على الحكومة لبذل جهود للحفاظ على حياتهما وعودتهما سالمين خصوصا بعد عملية ذبح المواطنين المصريين.

الليبيون في تونس

وتوجد في تونس جالية ليبية كبيرة العدد تصل بحسب تقديرات غير رسمية إلى المليون ونصف مليون شخص، أو ربما تتجاوزه، أي قرابة ربع الشعب الليبي، وأغلب هؤلاء فارين من جحيم المعارك في بلادهم، وقد استقر بعضهم بصفة دائمة وأنشأوا مدارسهم الخاصة. وينتمي هؤلاء إلى مختلف التيارات السياسية المتصارعة في ليبيا بما في ذلك الموالين لنظام القذافي المطاح به وهو ما يدفع بالجانب التونسي إلى السعي لإرضاء الجميع.
كما أن حركة النهضة ما زالت طرفا فاعلا في الحكم ولم يتم استبعادها من المشهد السياسي التونسي مثلما حصل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فقد احتلت المركز الثاني في الإنتخابات التشريعية الأخيرة. وبالتالي لا يمكن للحكومة التونسية الجديدة أن تغض الطرف عن العلاقات المتينة التي تربط الحركة الإخوانية التونسية بكثير من المكونات في صلب حكومة طرابلس وقوات فجر ليبيا الداعمة لها.

بين طبرق وطرابلس

وتأكيدا لما صرح به وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش فقد أرسلت تونس بعثتين دبلوماسيتين واحدة إلى طرابلس، ستمثل الدولة التونسية لدى حكومة عمر الحاسي المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته برئاسة النوري بوسهمين والمدعومة من عبد الحكيم بلحاج، وأخرى إلى طبرق ستعتمد لدى حكومة عبد الله الثني المنبثقة عن البرلمان الجديد المدعوم من الجيش الليبي واللواء خليفة حفتر قائد «عملية الكرامة».
وقد أثار هذا الإعتراف المزدوج للدولة التونسية بالسلطتين اللتين تقتسمان النفوذ في ليبيا شرقا وغربا، انزعاج جماعة طبرق المتمسكين بشرعية الانتخابات التي أفرزت برلمانهم وأنهت ولاية المؤتمر الوطني العام في طرابلس. فقد عبر وزير الثقافة والإعلام الليبي في حكومة عبد الله الثني، عمر القويري في حديث لصحيفة «القدس العربي» بأن تصريحات وزير الخارجية التونسي والمتمثلة في الإعتراف بالحكومتين أمر غير جائز ويشجع الخارجين عن الشرعية، في إشارة إلى حكومة طرابلس المدعومة مما يسمى «قوات فجر ليبيا».

رفض التدخل الخارجي

وتختلف تونس في موقفها هذا عن مصر التي تعترف فقط بحكومة طبرق وتساند الجيش الليبي في صراعه المسلح مع قوات فجر ليبيا وتعتبر حكومة طرابلس حكومة غير شرعية باعتبار انتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام الذي انبثقت عنه. وهو ما يجعل بعض الخبراء والمحللين يستبعدون أي دور إيجابي قد تلعبه دول جوار ليبيا باعتبار اختلاف المواقف والأجندات فيما بينها. كما ترفض تونس الرسمية أي تدخل خارجي في الأزمة الليبية سواء أكان عربيا أم غربيا وتساندها الجزائر في هذا الموقف الذي عبر عنه كبار مسؤوليها في أكثر من مناسبة. فيما يبدو أن مصر تساند هذا الخيار خصوصا بعد عمليات القصف التي طالت معسكرات الجماعات التكفيرية من قبل الطيران الحربي المصري ردا على عملية ذبح واحد وعشرين مصريا من أبناء الطائفة القبطية.

بقلم:روعة القاسم